ومن الأمثلة التي تؤكد هذا المعنى: شكوى الصحابة من قلة الماء واحتياجهم للشرب والوضوء، فماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟ أقام الستار بالأسباب المادية أولاً: طلب الماء القليل الموجود، ثم وضع يده الشريفة فيه ودعا الله بعد ذلك، فنبع الماء من بين أصابعه، وشرب الجميع وتوضأوا ... (?)
وكذلك ما حدث لمريم الصدِّيقة حين جاءها المخاض وهي تستند بظهرها على جذع نخلة لا ثمر فيها، فطلب الله منها أن تهز الجذع بيدها كستار مادي، مع توكلها المطلق على الله عز وجل كستار معنوي ليتنزل القدر ويسقط الرطب {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25].
وعندما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن ينادي على الناس، داعيًا إياهم إلى الحج {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} [الحج:27]. قال عليه السلام: يارب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال تعالى: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب .. (?)
فإن قلت ولماذا يُبدأ بالأسباب المادية لتكوين الستار؟
لأن الأسباب المادية جعلها الله متاحة للجميع .. المؤمن والكافر، وبالتالي يمكن لأي إنسان أن يحصل على النتائج من خلالها، ولو كانت البداية بالأسباب المعنوية لحُرم الكافر من النتائج التي تكفل له العيش وتوفر له الاحتياجات الأساسية، ومن ثمَّ فإنه لن يأخذ فرصته الكاملة في التعرف على الله وتوحيده وعبادته.
الله عز وجل خلق الأرض وقدَّر فيها الأقوات والأرزاق والأسباب التي تيسر للناس معاشهم فيها، وجعل التعامل مع أسبابها متاحًا للجميع ... سواء للسائلين، فعلى قدر اجتهاد الإنسان وسعيه في الوصول إلى مكنوناتها واستخدام أسبابها، يصل إلى مبتغاه ويحصل على نتيجة جهده وسعيه .. يستوي في ذلك المؤمن والكافر {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} [فصلت:10] , {كُلاً نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:20].
هذا بالنسبة للأسباب المادية، أما الأسباب المعنوية التي تجلب الزيادة المضاعفة في النتائج فاستخدامها مشروط بالإيمان بالله، وعدم الشرك به، وإخلاص التوجه إليه ... وعلى قدر ذلك يكون الستار، ومن ثمَّ المدد الإلهي ..
فالمشركون إذا ما عادوا إلى الله في أي وقت وطلبوا منه بصدق وإخلاص أن ينجيهم من كرب أصابهم فإنه سبحانه سينجيهم {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32].