الحافز القوي:

إن كان الهدف من قراءة القرآن هو تحصيل الحسنات فقط لبحثنا عن أعمال أخرى أكثر ثوابًا منه, ولا يستغرق أداؤها وقتًا طويلاً كالتسبيح مثلاً (?). ولكن أمر القرآن غير ذلك, فلقد أنزله الله ليكون وسيلة للهداية والتغيير, وما الأجر والثواب المترتب على قراءته إلا حافز يشحذ همة المسلم لكي يقبل على القرآن, فينتفع من خلال هذا الإقبال بالإيمان المتولد من الفهم والتأثر، فينصلح حاله ويقترب من ربه.

ومثال ذلك: الأب الذي يُحفِّز ابنه على مذاكرة دروسه من خلال رصد الجوائز له ...

يقينًا إن هدفه من خلال رصده لهذه الجوائز هو انتفاع ابنه بالمذاكرة، وليس مقصده مجرد جلوسه أمام الكتاب دون مذاكرة حقيقية.

ولله المثل الأعلى، فلأنه سبحانه يحب عباده ويريد لهم الخير أنزل إليهم هذا الكتاب الذي يجمع بين الرسالة والمعجزة ... ولكي يستمر تعاملهم معه ومن ثمَّ يستمر انتفاعهم بما يُحدثه هذا الكتاب من تغيير في داخلهم يدفعهم لسلوك طريق الهدى, كانت الحوافز الكثيرة التي تُرغّبهم وتحببهم في دوام الإقبال عليه، ومنها أن لهم بكل حرف يقرؤونه عشر حسنات.

أيهما أحب إلى الله؟!

ولنسأل أنفسنا هذا السؤال: أيهما أحب إلى الله: أن نقرأ القرآن كثيرًا، بألسنتنا فقط دون تفهم لخطابه، ولا تجاوب معه، أم القراءة الهادئة المرتلة التي يفهم من خلالها القارئ مراد الله من خطابه ويتأثر به.

أليس الأحب إلى الله هي الصورة الثانية، ومن ثمَّ يكون الأجر والثواب مصاحبًا لها أكثر وأكثر من الصورة الأولى؟!

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن القراءة الهادئة المرتلة بفهم وتأثر تزيد الإيمان، وتولد الطاقة والقوة الدافعة للقيام بالأعمال الصالحة، فيترتب على القيام بهذه الأعمال الأجر والثواب الكبير، وهذا لا يحدث مع القراءة السريعة ... قراءة الحنجرة فقط.

رمضان والقرآن:

فإن قلت: لنجعل القراءة الهادئة المتأنية التي تراعي الفهم والتأثر في غير رمضان، أما خلال هذا الشهر فينبغي أن ننتهز فرصة مضاعفة ثواب الأعمال فيه فنقرأ أكبر قدر ممكن من القرآن ...

نعم، رمضان فرصة عظيمة للانطلاقة القوية، وذوق حلاوة الإيمان من خلال القرآن.

نعم، رمضان يصلح كنقطة بداية لمن يشكو عدم وجود همة ورغبة في التعامل مع القرآن بتدبر وتأثر ..

أما أن يكون التعامل مع القرآن في رمضان بطريقة تبحث عن الأجر فقط، ومن ثمَّ لا تراعي الهدف الذي نرجوه فهذا معناه أن نظل في أماكننا ندور في حلقة مفرغة حول أنفسنا، فقراءة القرآن بفهم وتأثر ينبغي أن تصاحبنا طيلة العام، بل إن الحاجة إليها تشتد أكثر وأكثر في شهر رمضان باعتبار أنه فرصة جيدة ومناخ مناسب لإحياء القلب بالإيمان، ولنعلم جميعًا أننا لو ختمنا القرآن في رمضان ختمة واحدة ... بتفهم وتأثر فإن أثرها، والثواب المترتب عليها سيكون- بمشيئة الله- أفضل من عشرات الختمات بدون فهم وتأثر.

يقول ابن القيم:

لو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فقراءة آية بتفكر خير من ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن ... (?)

السؤال الثالث

الحد الأقصى لختم القرآن

- بلغنا أنه ينبغي للمسلم أن يختم القرآن على الأكثر مرة كل شهر أو كل أربعين يومًا، ولو تأخر عن ذلك لأصبح هاجرًا للقرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015