ووعد المؤمنين بالنعيم في الجنة {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
ووعد الكافرين بالنار {النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج:72]. وسيوفي بوعده سبحانه.
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44].
ولعلك تلحظ - أخي القارئ- أن الأفعال بصيغة الماضي لتأكيد وقوعها.
6 - النظام الحق العادل:
أفاض القرآن في الحديث عن النظام الذي يحكم السماوات والأرض، وبيَّن أنه نظام حق عادل يجري وفق سنن وقوانين {وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الجاثية:22].
هذا النظام الحق الذي ينظم حركة الحياة والموجودات .. من الطبيعي أن يطبق على البشر كذلك باعتبار أنهم جزء من هذا الكون، ولكن الواقع يخبرنا بأن هناك بعض البشر يظلم والبعض يُظلم، وكلهم في النهاية يموتون ... البعض يرتكب أخطاء فاحشة ولا تتم معاقبته، وهذا بالطبع ينافي النظام الحق العادل الذي قامت عليه السماوات والأرض إلا إذا كان هناك ملحق آخر للحياة يتم فيه مجازاة الظالمين، والانتصار للمظلومين، ومحاسبة المخطئين.
أعمال يُفضل القيام بها وبمثلها لتثبيت هذه العقيدة في النفس:
1 - لكي تصبح عقيدة الجزاء راسخة في يقين العبد وتشكل جزءًا أصيلاً من إيمانه, لابد من تكرار عرضها على العقل ليتفكر دومًا فيها، فترسخ في يقينه، وأن يتكرر كذلك عرضها على المشاعر لتستحوذ على جزء معتبر منها فتنشئ إيمانًا .. وهذا ما يفعله القرآن بكثرة عرضه لمسألة البعث والجزاء، ومخاطبته للعقل، وإقناعه بها، وإلهابه للمشاعر من خلال عرضه المتكرر لأهوال يوم القيامة.
من هنا كان من الضروري أن نستفيد من القرآن في البناء الصحيح لعقيدة الجزاء، ولا نكتفي بما عندنا من تصور عقلي محدود، بل لابد أن تصبح هذه العقيدة راسخة في عقولنا وقلوبنا، لتُثمر تقوى واستقامة على أمر الله، وهذا يستدعي منا التركيز على المحاور الستة السابقة وغيرها مما أثبت به القرآن البعث والجزاء, وذلك من خلال رحلتنا المباركة مع القرآن وحبذا لو أفردنا ختمة أو أكثر لهذا الموضوع المهم، مع الاجتهاد في تجاوب المشاعر قدر الإمكان مع الحقائق التي تظهرها الآيات.
2 - تخصيص وقت للتفكر في آيات الله المبثوثة في الكون والاستدلال من خلالها على قدرة الله المطلقة، وعلى أن هناك نظام عادل ودقيق يحكم حركة الأشياء والمخلوقات، وأنه من اللازم أن يُطبق هذا النظام على البشر وهذا يستدعي وجود ملحق للحياة بعد الموت ... تأمل معي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190، 191] فهؤلاء الصالحون قد قادهم التفكير في ملكوت السماوات والأرض إلى الوصول إلى حقيقة {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً}، وأن هناك حسابًا {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.