فعلى سبيل المثال ندرس في كتب العقيدة: الإيمان بالغيب كموضوع محدد، فلماذا لا نفعل ذلك مع القرآن، ونستقي منه حقيقة هذا المعنى الإيماني ونمزج الفكر بالعاطفة، ونجتهد في تجاوب المشاعر معه ليصبح إيمانًا راسخًا في قلوبنا, فينعكس على تصرفاتنا بمزيد من الاستقامة على أمر الله؟

وحبذا لو أعطينا كل معنى من المعاني الإيمانية التي تشكل أسس العقيدة عند المسلم مساحة كبيرة من الوقت, بأن نخصص له ختمة أو أكثر من ختماتنا، ولا ننتقل إلى غيره حتى نتشبع منه تمامًا.

أما وظيفة دورة معلمي القرآن في ذلك فهي تستعرض المعنى من الناحية النظرية, وطريقة عرض القرآن له، ثم تطبيقات عملية على بعض الآيات يستخرج من خلالها الدارسون ما يدل على المعنى الإيماني، ويطلب منهم أن يركزوا في وردهم اليومي على التجاوب بصفة خاصة مع هذا المعنى، وأن يدوِّنوا الآيات التي أثرت فيهم تأثيرًا كبيرًا ليتم طرحها خلال الوقت المخصص في الدورة والتعليق عليها.

ولكي تحسن استفادتنا أكثر وأكثر بهذه النقطة, علينا أن نربط هذا المعنى الإيماني الذي نعيشه في رحلتنا المباركة مع القرآن بأعمال مصاحبة لها ارتباطًا وثيقًا به، فعندما نبحث في القرآن ونتعرف على الله الوهاب المنعم يمكننا أن نستصحب في هذه الفترة بعض الوسائل لترسيخ التفاعل مع هذا المعنى ككثرة الحمد، وسجود الشكر، وإحصاء النعم ... وهكذا.

ولقد تم شرح هذا النقطة بشيء من التفصيل في كتاب «بناء الإيمان من خلال القرآن» مع عرض عدة نماذج مقترحة يبني بها الفرد إيمانه من خلال القرآن ... وإليك أخي القارئ نموذجًا منها ننقله من الكتاب:

«الإيمان باليوم الآخر»

الإيمان بالله واليوم والآخر له دور كبير في استقامة العبد، فالذي يعلم أن هناك حسابًا على ما يفعله من أخطاء، وأن هناك سجن يُودع فيه المجرمون، فإن هذا من شأنه أن يدفعه لاجتناب الوقوع في المعاصي، فإن زلت قدمه يومًا سارع بالاعتذار والندم وطلب العفو والصفح

إذن فالإيمان باليوم الآخر ركن ركين من أركان الإيمان، لذلك كان ولازال المشركون ومن سار على نهجهم يحاولون التشكيك في قضية البعث والحساب ليستمروا في غيهم وظلمهم {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ - يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6،5].

ولأهمية هذا الموضوع وضرورة الإيمان الراسخ به، فلقد أفرد له القرآن مساحة كبيرة وتناوله من عدة جهات:

تناوله من جهة إثباته بالأدلة العقلية الدامغة.

وتناوله من جهة كشف أسباب تكذيب الناس به.

وتناوله من جهة وصف أحداثه بكثير من التفصيل مع التركيز على مخاطبة المشاعر؛ لتزداد بذلك خشية الله والخوف منه, مما يدفع العبد للاستقامة والمسارعة إلى الخيرات {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57: 61].

ومما لاشك فيه أن حجر الزاوية ونقطة البداية في هذا الموضوع هو إثبات البعث والمعاد, وهذا ما سيفرد له الحديث في الأسطر القادمة بعون الله وفضله.

إثبات المعاد:

أثبت القرآن أن هناك حياة بعد الموت, وأن هناك بعثًا، وحشرًا، وحسابًا، وجنة يتنعم فيها الطائعون، ونارًا يُعاقب فيها العاصون.

ومن هذه الأدلة:

1 - إثبات صحة القرآن وصحة نسبه إلى الله عز وجل ومن ثمَّ تثبت صحة كل ما أخبر به من غيبيات وأحداث مستقبلية.

2 - قياس الغيبي على المشهود:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015