لا تنتهي الأنفس عن غيها ... ما لم يكن لها من نفسها دافع
إذن فلكي يصبح السر أفضل من العلانية، والأعمال خير من الأقوال ..
لكي نصل إلى مرحلة الانتباه والإيجابية والتلهف للقيام بأي عمل يرضي الله عز وجل, لابد من وجود دافع داخلي وليس خارجيًا .. دافع يدفعنا باستمرار لفعل الصالحات وترك المنكرات ..
لابد من وجود قوة روحية تتولد باستمرار داخلنا، تضبط تصرفاتنا، وتحثنا على فعل الخيرات وتطبيق التوصيات التي تُلقى على مسامعنا ..
ومما لاشك فيه أن هذه القوة الروحية التي تحول الواجب إلى واقع، وتزيل الفجوة بين العلم والعمل، وتدفع الفرد إلى الفعل من تلقاء نفسه تحتاج إلى مصدر يقوم بتوليدها باستمرار داخل كيانه.
معنى ذلك أننا لو استطعنا الوصول لمصدر ومنبع متجدد لتلك القوة, فإن هذا من شأنه أن يقلل من الجهد المبذول، وفي نفس الوقت يزيد من الإنتاج كمًّا وكيفًا، وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم بنجاح باهر مع الجيل الأول كما سنبين بمشيئة الله.
فما هو هذا المصدر وأين نجده؟!
لنتفق أولاً على معنى القوة الروحية، والمطلوب منها ثم ننتقل بفضل الله وعونه للتعرف على مصدر توليدها.
المقصود بالقوة الروحية هي العزيمة التي تتولد داخل الفرد, والحالة التي تسيطر عليه عندما تتجاوب مشاعره مع أمر من الأمور, فيشعر وكأن شيئًا من داخله يدفعه للقيام بفعل ما.
فعندما يستمع المرء إلى موعظة بليغة تتحدث عن ضرورة الإنفاق في سبيل الله، وعن الخير والثواب الذي يعود على المنفق في الدنيا والآخرة, تجده وقد تجاوبت مشاعره مع ما يسمعه، وتولدت داخله عزيمة تقوده ربما لإخراج كل ما في جيبه في تلك اللحظة.
وعندما يرى الواحد منا وهو يسير في طريقه رجلاً يقوم بضرب ولد صغير، والولد يجهش بالبكاء ويسترحم المارة ليكفوا بأس الرجل عنه, فإنه من المتوقع أن تستثار المشاعر وتتولد تلك القوة والعزيمة داخل النفس لتنتج تحركًا تجاه الحدث، ومحاولة لدفع الظلم عن الولد.
فالقوة الروحية إذن هي تلك الطاقة والعزيمة المتولدة من التأثير على مشاعر الإنسان, والتي من شأنها أن تدفعه للعمل.
هذه القوة تتولد بالفعل داخلنا وتدفعنا للعمل، ولكن ليس بصورة دائمة، فمشاهدة مناظر مأساوية، أو رؤية فقير يتلوى من الجوع، أو قراءة في كتاب من كتب الرقائق ... كل ذلك من شأنه أن يهز مشاعرنا، وقد يدفعنا للبكاء والعمل ولكن بصورة وقتية، يعود المرء بعد انتهاء تأثيرها إلى سابق عهده.
إذن لكي نستمر في حالة التوهج والانتباه ومن ثمَّ القيام بالأعمال المطلوبة منا بذاتية وتلقائية, لابد أن تتولد داخلنا تلك القوة الروحية بصورة دائمة ومستمرة ...
فكيف يتم ذلك؟!
كيف يتم ذلك وقد خلصنا مما سبق بيانه أنه لابد من أن يكون الدافع الذي يدفع المرء للقيام بالعمل المطلوب منه دافعًا ذاتيًا ينبع من داخله بصورة أساسية؟!
أي أن القوة الروحية المطلوبة ينبغي أن توفر باستمرار هذا الدافع الذاتي ..
معنى ذلك أننا بحاجة إلى نبع متجدد، ومصدر دائم لتوليد تلك القوة والدافع الذاتي لدى الأفراد.
المواصفات المطلوبة:
ولأننا نتحدث عن أمر يخص نهضة الأمة جمعاء, والذي ينطلق من صلاح الفرد، فلابد أن يكون مصدر تحصيل تلك القوة الروحية متاح للجميع ... الرجل والمرأة، العالم وغير العالم، العربي والأعجمي، ...
ولابد أن يكون هذا المصدر مجمع عليه من سائر أفراد الأمة وليس محل خلاف بينها، وأن يكون من مواصفاته كذلك ألا يمل منه أحد، وأن يكون لديه القدرة - بإذن الله - على التعامل مع المستويات المختلفة لأفراد الأمة في كل زمان ومكان ...