* * *
قلنا: لما صدر هذه السورة بتعديد نعمه سبحان على عبيده، ذكر من جملتها وضع الميزان الذي به نظام العالم وقوامه، لا سيما أن المراد
بالميزان العدل في قول الأكثرين، والقرآن في قول، وكل ما تعرف به المقادير في قول كالميزان والمكيال والذراع المعروف ونحوها.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) أي لا تجاوزوا فيه العدل مغن عما بعده من الجملتين فما فائدتهما؟
قلنا: المراد بالطغيان فيه أخذ الزائد، وبالإخسار فيه إعطاء الناقص وأمر بالتوسط الذي هو إقامة الوزن بالقسط، ونهى عن الطرفين المذمومين.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ لكن له صلصلة: أي صوت إذا نقر، وقال تعالى في موضع آخر: (مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وقال تعالى: (مِنْ طِينٍ لَازِبٍ) وقال
تعالى: (مِنْ تُرَابٍ) ؟
قلنا: الآيات كلها متفقة في المعنى، لأنه تعالى خلقه من تراب جعله