* * *
فإن قيل: كيف جمع تعالى المشارق هنا، وثناهما في سورة الرحمن، وكيف اقتصر هنا على ذكر المشارق، وذكر ثم المغربين أيضاً، وذكر
المغارب مع المشارق مجموعين في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ، وذكرهما مفردين في قوله تعالى: (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ؟
قلنا: لأن القرآن نزل بلغة العرب على المعهود من أساليب كلامهم وفنونه، ومن أساليب كلامهم وفنونه الإجمال والتفصيل والبسط
والإيجاز، فأجمل تارة بقوله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أراد مشرقى الصيف والشتاء ومغربهما على الاجمال، وفصل تارة بقوله تعالى:
(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهى تزيد على
سبعمائة، وبسط مرة بقوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) وأوجز واختصر مرة بقوله تعالى: (وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) لدلالة المذكور وهى المشارق على المحذوف وهو المغارب، وكانت المشارق أولى بالذكر لأنها أشرف إما لكون الشروق
سابقاً في الوجود على الغروب، أو لأن المشارق منبع الأنوار