إخراجه) من الجب وهو أعظم نعمة، لأن وقوعه في الجب كان أعظم خطراً؟
قلنا: إنما ذكر هذه النعمة دون تلك النعمة لوجوه، إحداها: أن منحة السجن ومصيبته كانت أعظم لطول مدتها، فإنه لبث فيه بضع سننين.
وما لبث في الجب إلا مدة يسيرة، الثانى: أنه إنما لم يذكر الجب كيلا يكون في ذكره توبيخ وتقريع لأخوته بعد قوله لهم: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ، الثالث: أن إخراجه من السجن كان مقدمة لملكه وعزه، فلذلك ذكره، وخروجه من الجب كان مقدمة الذل والرق والأسر فلذلك لم يذكره. الرابع: أن مصيبة السجن كانت أعظم عنده لمصاحبته الأوباش والأرذال وأعداء الدين، بخلاف مصيبة الجب فإنه كان مؤنسه فيه جبريل وغيره من الملآئكة عليهم الصلاة والسلام.
* * *
فإن قيل: كيف قال يوسف عليه الصلاة والسلام:
(تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) وهو يعلم أن كل نبى لا يموت إلا مسلما؟
قلنا: يجوز أن يكون قد دعا بذلك في حال غلبة الخوف عليه غلبة أذهلته عن ذلك العلم في تلك الساعة، الثانى: أنه دعا بذلك حال علمه إظهاراً للعبودية والافتقار وشدة الرغبة في طلب سعادة الخاتمة وتعليماً للأمة.
* * *
فإن قيل: كيف يجتمع الإيمان والشرك، وهما ضدان حتى قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ؟