قلنا: الخطاب لهما في الصورة، والمراد به الخطاب للملآئكة الموكلة بتدبيرهما، الثانى: أن هذا أمر إيجاد لا أمر ايجاب، وفى أمر الإيجاد لا يشترط العقل والفهم، لأن الأشياء كلها بالنسبة إلى أمر الإيجاد مطيعة منقادة لله تعالى، ومنه قوله تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقوله تعالى: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) كل ذلك أمر إيجاد.
* * *
فإن قيل: كيف قال الله تعالى هنا: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ)
بالفاء، وقال في قصة زكريا: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ) بغير فاء؟
قلنا: أراد بالنداء هنا إرادة النداء، فجاء بالفاء الدالة على السببية، فإن إرادة النداء سبب للنداء، فكأنه قال: وأراد نوح نداء ربه فقال: كيت وكيت، وأراد به في قصة زكريا حقيقة النداء، فلهذا جاء بغير فاء لعدم ما يقتضى السببية.