الْخَطَّابِ. وَكَانَ يُقِيمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَدْرَ نَهَارِهِ بِالسُّنُحِ، فَيَصْبُغُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، ثُمَّ يَرُوحُ فَيَجْتَمِعُ بِالنَّاسِ، وَكَانَ رَجُلا تَاجِرًا، يَغْدُو فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ فَيَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا رَعَيْتَ لَهُ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا يُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُ [1] دَارِنَا. فَقَالَ: بَلَى، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خَلْقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنُحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا.

وَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَمْرُ النَّاسِ بِالتِّجَارَةِ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ إِلا التَّفَرُّغُ لَهُمْ، وَالنَّظَرُ فِي أُمُورِهِمْ، وَمَا بُدٌّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ، فَتَرَكَ التِّجَارَةَ، وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا يَوْمًا، وَمَا يَحُجُّ بِهِ وَيَعْتَمِرُ، وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِّي لا أَخْلُفُ فِي مَنْزِلِي مِنْ ما لهم شَيْئًا. وَأَرْضِي الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدَفَعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، ولقوح، وعبد صيقل، وَقَطِيفَةً كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. فَقَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ [2] .

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: خطب أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ فِي خطبته: إياكم والمحقرات، فإن الصغير يدعو إِلَى الكبير.

قَالُوا: واستعمل أَبُو بَكْر عَلَى الحج سنة إحدى عشرة عمر بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015