فَارِسٌ، وَكَانُوا لا يُسَلِّمُونَ عَلَى الزُّبَيْرِ إِلا بِالإِمْرَةِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْا إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَرَ قَوْمًا أَرَثَّ سِلاحًا، وَلا أَقَلَّ عَدَدًا، وَلا أَرْعَبَ قُلُوبًا مِنْهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَجَاءَ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: جَاءَ الْقَوْمُ حَتَّى أَتَوْا مَكَانِ كَذَا فَسَمِعُوا بِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْحَدِّ فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ:
إِيهًا عنك الآن، فو الله لَوْ لَمْ يَجِدِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلا الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَيْنَا فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَجَاءَ فَارِسٌ وَقَدْ كَادَتِ الْخُيُولُ تَرِخُّ مِنَ الرَّهْجِ [1] فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكَ، وَلَقِيتُ عَمَّارًا فَقُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي، قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِيهِمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَ يُخَالِفُهُ، قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: ارْكَبْ فَانْظُرْ أَحَقًّا مَا يَقُولُ؟ فَرَكِبَ مَعَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا حَتَّى وَقَفَا فِي نَاحِيَةِ الْخَيْلِ طَوِيلا ثُمَّ رَجَعَا إِلَيْنَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ لِصَاحِبِهِ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: صَدَقَكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: يَا جَدْعَ أَنْفَاهُ، أَوْ يَا قَطْعُ ظَهْرَاهُ، قَالَ الْفُضَيْلُ: لا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَهُ أَفْكَلٌ [2] حَتَّى جَعَلَ السِّلاحُ يَنْتَفِضُ، قَالَ جَوْنٌ: فَقُلْتُ: ثَكِلَتْنِي أُمِّي، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ مَعَهُ، أَوْ أَعِيشَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَرَى هَذَا إِلا مِنْ شَيْءٍ سَمِعَهُ، أَوْ رَوَاهُ، وَهُوَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَلَمَّا تَشَاغَلَ النَّاسُ انْصَرَفَ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ ثم ذهب، قال: