ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الَّذِي تأذن لَهُ أو ترده، وإذا خرجت إِلَى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك، وتثبت فِي قلوبهم محبتك، وإذا انتهى إليك أمر مشكل فاستظهر عَلَيْهِ بالمشاورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة، واعلم أن لك نصف الرأي، ولأخيك نصفه، ولن يهلك امرؤ عَن مشورة، وإذا سخطت عَلَى أحد فأخر عقوبته فإنك عَلَى العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إمضائها.
حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قَالَ: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ جالسا وعنده قوم من الأشراف، فَقَالَ لعبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان البكري:
يَا عبيد اللَّه بلغني أنك لا تشبه أباك؟ فَقَالَ: بلى والله إني لأشبه بِهِ من الماء بالماء، والقتة بالقتة، والتمرة، بالتمرة، والغراب بالغراب، ولكن إن شئت أخبرتك بمن لم تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام، ولم يشبه الأخوال والأعمام.
قَالَ: ومن هو؟ قَالَ: سويد بْن منجوف فلما خرج عبيد اللَّه وسويد، قَالَ سويد: والله مَا يسرني بمقالتك لَهُ حمر النعم، قَالَ عبيد اللَّه: وما يسرني والله باحتمالك إياي وسكوتك عني سودها، وإنما عرض بعَبْد الْمَلِكِ، وَكَانَ ولد لسبعة أشهر.
قالوا: ودخل أَبُو العباس الكناني الأعمى عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ:
أخبرني عَن مصعب فأنشده قوله فيه:
يرحم اللَّه مصعبا إنه مات ... كريما ورام أمرا عظيما
طلب الملك ثُمَّ مات حفاظا ... لم يعش باخلا ولا مذموما
ليت من عاش بعده من قريش [1] ... موتوا قبله وعاش سليما