وَقَالَ قوم: كَانَ الحجاج قد وفد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فأتاه نعي أخيه وهو عنده، فولاه العراق، فشخص من الشام إِلَى الْكُوفَة، وذلك فِي سنة خمس وسبعين، وولى عَبْد الْمَلِكِ مَكَّة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع أقره عَلَيْهَا، وولى المدينة يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ثُمَّ بعده أبان بْن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الْحَجَّاجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْ أُمِّ نَتَنٍ، أَهْلُهَا أَخْبَثُ أَهْلٍ، أَغْشَهُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْسُدُهُ لَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَاللَّهِ لَوْلا مَا كَانَ يَأْتِينِي مِنْ كُتُبِ أَمِيرِ المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواد يَعُوذُونَ بِهَا، وَرِمَّةً قَدْ بَلِيَتْ، يَقُولُونَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ وَقَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ، فَبَلَغَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَمَامَهُ مَا يَسُوءُهُ، قَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا قَالَ، ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْظَرَهُ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما قتل الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ دخل المسجد فصلى ركعتين، ثُمَّ وقف عَلَى ابْن الزُّبَيْرِ فرآه صريعا فأمر بِهِ فصلب منكسا، قَالَ:
وَكَانَ الحجاج رأى كأنه أخذ ابْن الزُّبَيْرِ فسلخه، ويقال: بل رأى أنه نكحه، فذلك كَانَ سبب تولية عَبْد الْمَلِكِ الحجاج حربه.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ يوم قتل أنا ابْن اثنتين وسبعين سنة وأشهر، ثُمَّ قاتل وهو يقول:
أنا ابْن أنصار النَّبِيّ أَحْمَد ... عَبْد الإله والرسول المهتدي
أضرب منهم كل وغد قعدد
قَالَ: وقاتل عروة يوما فَقَالَ:
أبى الحواريون إلا مجدا ... من يقتل اليوم يلاق رشدا