ويجدبونه «1» حتى تعلو أصواتهم بذلك، فأتى عمرو بْن حريث المسجد فصعد المنبر وقد اجتمع اليه رؤوس أهل المصر فَقَالَ: ما هذه الأصوات العالية والرعة السيئة؟ فوثب إليه عنق من أصحاب حجر، فضجوا وشتموا، ودنوا منه فحصبوه حتى دخل القصر «2» ، وكتب إلى زياد مع سنان بْن حريث الضبي بخبر حجر وأصحابه، وأنه لا يملك من الكوفة معهم إلا دار الإمارة، فلما قرأ زياد كتاب عمرو قَالَ: بئس الرجل حجر، ونعم الرجل عمرو، أركبوا بنا، فركب مغذًا للسير، وتمثل قول كعب بن مالك الأنصاري «3» :
فلمّا استووا بالعرض قَالَ سراتنا ... علام إذا لم يمنع العرض يزرع «4»
ثم قَالَ: ويل أمك حجر: سقط العشاء بك على سرحان «5» ، فلما أتى الكوفة صعد المنبر فَقَالَ: يا أهل الكوفة جممتم فأشرتم، وأمنتم فاجترأتم، وإن عواقب البغي شر العواقب، واللَّه يا أهل الكوفة لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم، فإنه عندي عتيد، ثم بعث الْهَيْثَم بْن شداد الهلالي «6» صاحب شرطته إلى حجر بن عديّ ليأتيه به- ويقال:
بل أمر الْهَيْثَم أن يوجه إلى حجر من يأتيه به، فوجه حسين بْن عبد اللَّه البرسمي- فأبى أصحاب حجر أن يخلّوا بينه وبين إتيان زياد، فغضب زياد وقال لوجوه أهل المصر: يا أشراف أهل الكوفة، أتشجون بيد وتأسون بأخرى؟! أبدانكم معي وقلوبكم مع الهجهاجة المذبوب «7» ؟! قوموا إليه، فقالوا: معاذ اللَّه أن نكون إلا على طاعتك وخلاف حجر والزري عليه، وخرجوا فنحى كل امرئٍ عَنْ حجر من أطاعه من أصحابه.
652- وقال الْهَيْثَم بْن عدي عَنْ أبيه وعن مجالد عن الشعبي وعن أبي جناب