ابن يربوع من تميم تحرض على عبيد اللَّه بْن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته وفعله، وكانت من مخابيت «1» الخوارج، فذكر «2» ابن زياد الثبجاء، فأعلم غيلان (771) بْن خرشة أبا بلال بذلك، فَقَالَ لها أَبُو بلال: إن اللَّه قد جعل لأهل الإسلام سعة فِي التقية، فإن شئت فتغيبي فإن هذا الجبار المسرف على نفسه قد ذكرك، فقالت: أكره أن يلقى أحد مكروهًا بسببي إن طلبني، فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، ومر أَبُو بلال فنظر إليها فِي السوق فعض على لحيته وقال: هذه أطيب نفسًا بالموت منك يا مرداس، ما من ميتة أموتها أحب إلي من ميتة الثبجاء، كل منية سوى منية الثبجاء ظنون.
ومر أَبُو بلال «3» ببعير قد هنيء فلما رأى القطران غشي عليه ثم أفاق ثم تلا سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ (إبراهيم: 50) . وألح ابن زياد فِي طلب الشراة فملأ منهم السجن، وأخذ الناس بسببهم، وحبس أبا بلال، فكان السجان يأذن له فِي الانصراف إلى منزله بالليل لما رأى من عبادته. وعزم ابن زياد على قتل من فِي السجن وأخذ الناس بسببهم «4» لوثوب بعضهم على رجل من الحرس وقتله إياه، وكان أَبُو بلال فِي منزله، فتنكر حتى عاد إلى محبسه وقال: ما كنت لأغدر بصاحبي وقد ائتمنني، وأصبح ابن زياد فدعا بالخوارج فقتل بعضهم وكلّم في بعض. وكان مرداس ممن كلم فيه فصفح عنه وخلى سبيله. وألح ابن زياد «5» فِي طلب الخوارج بعد ذلك وأخافهم، فعزم أَبُو بلال على الخروج، ودعا قومه فأجابوه، وقال فِي قصيدة له:
وقد أظهر الجور الولاة وأجمعوا ... على ظلم أهل الحق بالغدر والكفر
وفيك إلهي إن أردت مغير ... لكل الذي يأتي إلينا بنو صخر
وقال لأصحابه: إن الإقامة على الرضى (بما يرى) «6» لذنب، وإن تجريد السيف وقتل