بخلاف مَا أحبّ، وأنت تعرف رأيي فِي الخروج، قَالَ: أفتُبرئ صدري بيمين؟
قَالَ: وَمَا تصنع باليمين، لئن كذبتُ تقية لاستجيزنّ أَن أحلف لَك تقية.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، عَنِ الفضل بْن الرَّبِيع عَنْ أبيه قَالَ: دعا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور بعمرو بْن عبيد فَلَمَّا استأذنتُ لَهُ وكانت عَلَيْهِ جبَّةُ وَشي دعا بمبطنة مروية فلبسها ثُمَّ نزل عَنْ فرشه، فَقُلْتُ: يَا نفس مَا كنت أظن أَبَا جَعْفَر يداري أحدًا. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور يَقُول: الندم عَلَى السكوت خير من الندم عَلَى الْكَلام.
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود والعمري عَنِ الهيثم وغيره، أَن قومًا من أَصْحَاب أَبِي مُسْلِم من أَهْل خراسان كَانُوا يقولون بتناسخ الأرواح، فيزعمون أَن روح آدم عَلَيْهِ السَّلام فِي عُثْمَان بْن نهيك، ويقولون إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يرزقنا ويطعمنا ويسقينا فَهُوَ ربنا، وأنه لو شاء أَن يسير الجبال لسارت ولو أمرنا أَن نستدبر القبلة لاستدبرناها، وكانوا يطوفون حول قصر الْمَنْصُور فيقولون قولًا عظيمًا، فحبس الْمَنْصُور مِنْهُم نحوًا من مائتين من رؤسائهم فغضب أَصْحَابهم. وَكَانَ الْمَنْصُور أمر أَن لا يجتمعوا، فاتخذوا نعشًا وأظهروا أَن فِيهِ امْرَأَة ميتة وملأوه سلاحًا ثُمَّ حملوه ومروا إِلَى بَاب السجن فأخرجوا أَصْحَابهم وَهُمْ مائتان وكانوا أربع مائة فتتاموا ست مائة، وقصدوا القصر فتنادى الناس وأغلقت أَبُواب الْمَدِينَةِ. وخرج الْمَنْصُور يمشي من القصر وَلَمْ يكن عنده دابة، فَمَنْ ذَلِكَ اليوم ارتبط فرسًا فِي القصر يَكُون مَعَهُ، فلما برز أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أُتي بدابة فركبها وقصد قصدهم، فجاء معن بْن زائدة الشيباني حَتَّى دنا منه ثُمَّ ترجل وأخذ أسافل ثيابه فجعلها فِي منطقته وأخذ بلجام دابة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَقَالَ: أنشدك اللَّه إلّا رجعت فإنك تُكفى إِن شاء اللَّه. ونودي فِي أَهْل السوق والعامة فرموهم بالحجارة وقاتلوهم وفتح بَاب الْمَدِينَةِ (646) فدخل النَّاس، وجاء خازم عَلَى فرس محذوف فحمل عَلَيْهِم فكشفهم، وقاتل معن يَوْمَئِذٍ قتالا [1] لم ير مثله فكان المنصور