إِلَى أهلها من هيجهم ليخرج أَبُو دَاوُد فيفتك بِهِ، وسمع أَبُو دَاوُد الضجة فصعد لينظر فمشى عَلَى جناح فِي داره وَكَانَ ضعيف البصر فسقط عَلَى وتد، فَقَالَتْ لَهُ امرأته: من ذا؟ قَالَ: أَنَا أَبُو دَاوُد قَدْ نزل بي مَا يريد أَبُو جَعْفَر، واحتمل فمات ودفن وَذَلِكَ فِي سنة تسع وثلاثين ومائة وو كتب أَبُو عصام بموته إِلَى الْمَنْصُور واجتمع النَّاس إِلَى أَبِي عصام فبايعوه للمنصور، ثُمَّ لَمْ يلبث إلا قليلا حَتَّى قدم عَبْد الجبار ابن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ خراسان واليًا عَلَيْهَا عَلَى أربع من دواب البريد.
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي، وغيره، قَالُوا: دعا الْمَنْصُور عَبْد الجبار فَقَالَ لَهُ: قَدْ وليتك خراسان فأطع اللَّه فِي معصيتي ولا تطِعني فِي معصية اللَّه وَلِنْ للمُحسن وكن خشنًا عَلَى المسيء. وَكَانَ عبد الجبار عَلَى شرط أَبِي الْعَبَّاس، ثُمَّ عَلَى شرط الْمَنْصُور إِلَى أَن ولاه خراسان، ثُمَّ ولى الشرطة بعده عُمَر بْن عَبْدِ الرَّحْمَن أخاه، ثُمَّ عزله وولى مُوسَى بْن كعب التميمي حتى مات، ثم ولى بعده المسيب ابن زهير الضَّبِّيّ. فكان الْمُسَيِّب يسعى فِي فساد حال [1] عَبْد الجبار عِنْدَ الْمَنْصُور ويوحشه منه ويغريه بِهِ، وكتب إِلَى عَبْد الجبار إِن الْمَنْصُور قَالَ ذَات يَوْم:
من ولّي خراسان فأصلح ثغورها وأحسن السيرة فِي أهلها ورزق جنودها وَكَانَ فِي بَيْت ماله بَعْد ذَلِكَ [2] عشرة آلاف ألف فَهُوَ الكامل، فكتب إِلَى الْمَنْصُور يعلمه أَن عنده بَعْد سد الثغور وإعطاء (641) المقاتلة عشرة آلاف ألف، فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور فِي حملها وَلَمْ تكن [3] عنده وإنما كَذَبه، وألح الْمَنْصُور فِيهَا، فكتب يسأل الإذن لَهُ فِي إشخاص عياله إِلَيْهِ فلم يأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ يبلغه فسادُ قلبه عَلَيْهِ بِمَا يكيده بِهِ الْمُسَيِّب عنده وَيَقُول لَهُ فِيهِ، فخلع وَقَالَ: إِن أَبَا جَعْفَر دعاني إِلَى عبادته وأسرف فِي القول، فأشخص المنصور إليه المهدي ومعه خازم ابن خزيمة فقاتله خازم فظفر به.