الْمَدَائِنِي قَالَ: عاد ابْن المقفع شبيبَ بْن شَيْبَة فصادَفه فِي دهليز فنزل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ ليحدثه إذ جاءت جارية لبعضهم وَقَدْ ودى بَعْضهم بغل ابْن المقفع فَقَالَتْ: يَا أَبَا مَعْمَر مولاي يقريك السّلام وَيَقُول كَيْفَ أصبح أير بغلكم؟ فَقَالَ ابْن المقفع: كَمَا ترين عافاك اللَّه، فتسورت الجارية، وكانت فِيهِ دُعابة. وَكَانَ ابْن المقفع يَقُول: اللسان ترجمان عَنِ القلب فذلله بأسهل اللفظ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب وغيره، أَن الْمَنْصُور ولي سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة البصرة، وَكَانَ بنو عَلِي أمروا ابْن المقفع أَن يكتب لعبد اللَّه بْن عَلِي أمانًا حِينَ أجابهم الْمَنْصُور إِلَى أيمانه، فكان فِيهِ: إِن عَبْد اللَّهِ عَبْد اللَّهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لَمْ يف بِمَا جعل لعبد الله ابن عَلِي فَقَدْ خلع نَفْسه والناس فِي حل وسَعَةٍ من نقض بيعته، فأنكر الْمَنْصُور ذَلِكَ وأكبره واستبدّ بِهِ [1] غيظُهُ عَلَى ابْن المقفع، وكتب إِلَى سُفْيَان أَن اكفني ابْن المقفع، ويقال إنه شافهه بِذَلِك عِنْدَ توديعه إياه. وَكَانَ ابْن المقفع يهزأ بسفيان ويستجهله وَيَقُول لَهُ: مَا تقول [2] فِي زوج وامرأة، كم لكل واحد منهما من الميراث؟ وأنشد يومًا:
لَهُ إطلا ظبي وساقا نعامةٍ
فَقَالَ ابْن المقفع: مَا هَذَا الطائر الَّذِي تصفه! وسمع سفيان يَقُول يومًا: مَا ندمت عَلَى سكوت قط، فَقَالَ لَهُ: والله مَا تؤجر عَلَى الخرس لأنه زين لَك، فكيف تندم عَلَى سكوتك. وَكَانَ يلقي عَلَيْهِ مسائل من النحو ثُمَّ يَقُول لَهُ أخطأت ويتضاحك بِهِ. وَكَانَ أنف سفيان عظيما فكان يقول له: السلام عليكما، كَيْفَ أنتما، يعنيه وأنفه. وجرى [3] بينهما كَلام فَقَالَ لَهُ ابْن المقفع: يَا ابْن المغتلمة، والله مَا رضيت أمّك برجال العراق ولا اكتفت بِهِمْ حَتَّى نكحها رجال الشام. وكانت أم سُفْيَان، ميسون بِنْت المغيرة بْن المهلب، تزوجها القاسم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عِضاه [4] الأشعري، وغيره، بهربه من سلم بْن قُتَيْبَة بالبصرة، فكان سفيان أشد