أما بَعْد فَإِنِّي اتخذت أخاكَ [1] إمامًا وَكَانَ في قرابته برسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ومحله من العلم عَلَى مَا كَانَ، ثُمَّ استخفَّ بالقرآن وخرقه [2] طمعًا فِي قليل من الدنيا قد نعاه الله لأهله [3] ومثلت لَهُ ضلالته عَلَى صورة العدل فأمرني أَن أجرد السَيْف وآخذ بالظنة ولا أقبل معذرةً وأن اسقّم البريء وأبرئ السقيم وآثر أَهْل الدين فِي دينهم وأوطأني فِي [4] غيركم من أَهْل بيتكم العُشوة بالأفك والعدوان، (629) ثُمَّ إِن اللَّه بحمده ونعمته استنقذني بالتوبة وكرّهَ إِلَيّ الحوبة فَإِن يعفُ فقديمًا عرف ذَلِكَ منه وإن يُعاقب فبذنوبي وَمَا اللَّه بظلام للعبيد. فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: قَدْ فهمت كتابك وللمدل عَلَى أهله بطاعته ونصيحته ونصرته ومحاماته وجميل بلائه مقال، وَلَمْ يُرِك اللَّه فِي طاعتنا إلّا مَا تُحب، فراجع أَحْسَن نيتك وعملك ولا يدعونّك مَا أنكرته إِلَى التجني فَإِن المغيظ رُبَّمَا تعدى فِي القول فأخبرَ بِمَا لا يعلم والله وَلِيُّ توفيقك وتسديدك. فأَقْبَلَ رحمك اللَّه مبسوط اليد فِي أمرنا محكمًا فيما هويت الحكم فِيهِ ولا تُشمت الأعداء بك وبنا [5] إِن شاء اللَّه. قَالَ:

فَلَمَّا قدم بَرَّه وأكرمه وَهُوَ يريد أَن تمكنه [6] الفرصة، ثُمَّ صرفه إِلَى منزله ليستريح. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد عَنْ أزهر بْن زهير بْن الْمُسَيِّب الضَّبِّيّ قَالَ: ندم الْمَنْصُور عَلَى انصراف أَبِي مُسْلِم حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو أيوب المورياني أشار عَلَيْهِ بالإذن لَهُ، فَلَمَّا أصبح غدا إِلَى الْمَنْصُور فتلقاه أَبُو الخصيب فَقَالَ لَهُ:

إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مشغول فانصرِفْ ساعةً حَتَّى يفرغ، فأتى منزل عِيسَى بْن مُوسَى وَكَانَ يحبه وَكَانَ عِيسَى شديد التعظيم لَهُ، فدعا لَهُ عِيسَى بالغداء، فبينا هُوَ عَلَى [7] ذَلِكَ إذ أتاه الرَّبِيع، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ مرزوق أَبِي الخصيب، فَقَالَ لَهُ:

يدعوك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فركب وشغل عِيسَى بْن مُوسَى بالوضوء، وَقَدْ كان ابو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015