بَعْد هزيمة عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي ليحصي مَا كَانَ فِي عسكره، فَقَالَ أَبُو مُسْلِم: أفَعَلها ابْنُ سلامة الفاعلة، لا يُكَنِّي، فَقَالَ يقطين: عجِلتَ أيها الأمير، إِنَّمَا أمرني أَن أحصي مَا وجد فِي عسكر الناكث ثُمَّ أسلمه إليك لتعمل فِيهِ برأيك وتصنع بِهِ [1] مَا أردتَ ويكون قَدْ عرفَ مبلغه. فلما ورد يقطين عَلَى الْمَنْصُور أعلمه مَا قَالَ وَمَا قَالَ هُوَ لَهُ، فخاف أَن يمضي أَبُو مُسْلِم إِلَى خراسان فكتب إِلَيْهِ: إني قَدْ وليتك الشام ومصر فهما أفضل من خراسان ومنزلك بالشام أقرب إلي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فَمَتَى أحببت لقاءه لقيته. وأنفذ الكتاب إِلَيْهِ مَعَ يقطين أيضًا، فَلَمَّا قرأه قَالَ:

أهو يوليني الشام ومصر مكان خراسان وخراسان لي! وعزم عَلَى إتيان خراسان، فنزل الْمَنْصُور المدائن وأخذ أَبُو مُسْلِم، طريق حلوان، فَقَالَ الْمَنْصُور: رُبَّ أمرٍ لِلَّهِ دُونَ حلوان، وأمر عمومته ومن حضر من بَنِي هاشم أَن يكتبوا إِلَيْهِ فيعظموا (628) عَلَيْهِ حق الطاعة ويحذروه سوء عواقب الغدر والتبديل والنكث ويسألوه الرجوع ويشيروا عَلَيْهِ بِهِ. وكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: إني أردت مذاكراتك أشياء لَمْ يحتملها الكتاب فأقبل فَإِن مقامك قبلي يسير [2] ، فلم يلتفت إِلَى الكتاب، فبعث إِلَيْهِ جَرِير بْن يَزِيد البجلي، وَكَانَ صديقًا لأبي مُسْلِم راجحًا عنده، فلم يزل يمسح [3] جوانبه ويرفق بِهِ ويعرفه قُبح مَا ركب وأن النعمة إِنَّمَا دامت عَلَيْهِ بالطاعة، وَقَالَ لَهُ: إِن أمر الْقَوْم [4] لَمْ يبلغ بك مَا تكره وإنما لَك إِن عصيتهم خراسان ولا تدري مَا ينباق عليك من شيعتهم من أَهْل خراسان مِمَّنْ ترى أَنَّهُ معك، وإن اطعتهم فخراسان وغيرها من البلاد لك، فانصرفَ راجعًا.

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد عَنْ أزهر بْن زهير، وَحَدَّثَنِي شيخ لنا أيضًا، أَن الْمَنْصُور كتب إِلَى أَبِي مُسْلِم كتابًا لطيفًا مَعَ أَبِي حميد المروروذي وَقَالَ: إِن أجاب إِلَى الانصراف وإلّا فقل لَهُ، يَقُول لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ: نُفيتُ من الْعَبَّاس لئن مضيتَ وَلَمْ تلقني لا وكلتُ أمرك إِلَى أحدٍ سواي ولو خضتْ إليك البحر الأخضر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015