الجمع، فقام رجل من الصّوفيين فقال: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [1] ! فأُخذ، فَلَمَّا فرغ الْمَنْصُور من خطبته وقضى كلامه أمر أن يضرب أربعين درة فضرب، ثُمَّ دعا بِهِ فَقَالَ: إنا لَمْ نضربك لقولك، إِنَّمَا ضربناك لكلامك فِي الخطبة فلا تَعْد، وأمر بتخلية سبيله. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود وغيره قَالَ: خطب الْمَنْصُور فَلَمَّا قَالَ: وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، قام إِلَيْهِ رَجُل كَانَ فِي أخريات النَّاس فَقَالَ:
يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إني أذكرك من ذكرت، فَقَالَ: سمعًا سمعًا لمن ذكر بالله وأيامه وأعوذ بالله أن أكون جَبّارًا عنيدًا وأن تأخذني العزةُ بالإثم لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا من المهتدين [2] ، وأنتَ فَمَا أردتَ اللَّه بِهَا إِنَّمَا أردت أن يُقال قامَ فَقَالَ فعوقب فصبر، وأهوِنْ عليّ بقائلها لو هممت، فاهتبلها ويلك إذ عفوتُ وإياك وإياكم أيها النَّاس وَمَا أشبهها فَإِن الموعظة عَلَيْنَا نزلت [3] ومن عندنا انتشرت وعنا أخذت وحملت، ثُمَّ عاد فِي خطبته [4] .
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود، قَالَ: قدم عَلَى الْمَنْصُور (623) قوم من أَهْل الشام بَعْد هزيمة عَبْد الله بن علي وفيهم الْحَارِث بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الحرشي، فقام عدة مِنْهُم فتكلموا، ثُمَّ قام الْحَارِث فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لسنا وفد مباهاة ولكن وفد توبة، ابتلينا بفتنةٍ استفزت شريفنا واستخفت حليمنا فكنا بِمَا قدمنا معترفين ومما فرط منّا معذورين فإن تعاقبنا فبجرمنا وإن تعفُ عنا فبفضلك عَلَيْنَا، فاصفح يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِذَا ملكت وأمنُن إذ قدرت وأحسن فطال مَا أحسنت، فَقَالَ الْمَنْصُور: أَنْتَ خطيبهم، وأمر برد قطائعه بالغوطة عَلَيْهِ. فقال: ووجه الْمَنْصُور إِسْحَاق الأزرق مولاه فأتاه بامرأتين وُصفتا لَهُ، أحداهما من ولد خَالِد بْن أسيد والأخرى فاطمة بنت محمد ابن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، فجيء بهما وَقَدْ خرج إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بالبصرة، فَقِيلَ لَهُ إِن هاتين الجاريتين قَدِ استوحشتا إذ لَمْ ترهما، فَقَالَ: والله لا كشفتُ ثوب امْرَأَة عني حَتَّى أدري أرأسي لإبراهيم أَوْ رأس