إلا حاسد نعمة لا يرضيه عني إلا زوال نعمتي فلا أرضاه اللَّه عني أبدًا، وَهَؤُلاءِ بنو أَبِي طَالِب قَدْ وصلت أرحامهم واحسنت برّهم وهم يأبون لحسدهم [1] وسوء نياتهم إلا القطيعة وإني لأتخوف أَن يعود حلمي عَلَيْهِم بِمَا يكرهون فِي عواقب الأمور والله المستعان.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَنْ عَلِي بْن صَالِح [2] صاحب المصلي قَالَ:
أقدم أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْن حسن عَلَيْهِ فبره وأكرمه وأعطاه ألف ألف درهم، فَلَمَّا انصرف إلي الْمَدِينَةِ أتاه أهلها مُسلّمين عَلَيْهِ وجعلوا يدعون لأبي الْعَبَّاس لبره به واجزاله صِلَتَهُ، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: يَا قوم مَا رَأَيْت أحمق منكم تشكرون رجلًا أعطانا بَعْض حقنا وترك أكثره. فبلغ ذَلِكَ أبا الْعَبَّاس فدعا إخوته وأهل بيته وجعل يعجبهم من قَوْل عَبْد اللَّهِ، فَقَالُوا: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِنَّمَا يتم [3] إحسانك إِلَيْهِ وإنعامك عَلَيْهِ بالصفح عَنْهُ، وتكلم أَبُو جَعْفَر فِيهِ بكلام شديد وَقَالَ: إِن الحديد بالحديد يفلح. [4]
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: من تشدد أنفر ومن لان تألّف والجاهل تكفيكَه مساوئه.
حَدَّثَنِي عُمَر [5] بْن بُكَيْر عَنِ الهيثم عَنِ ابْن عياش، قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس أسخي النَّاس، مَا وعد عدة قط فأخرها عَنْ وقتها أَوْ قام من مجلسه حَتَّى يقضيها، ولقد سمعناه يَقُول: إِن المقدرة تصغر الأمنية، لَقَدْ كُنَّا نستكثر أمورًا أصبحنا نستقلّها [6] لأخس من صحبنا، ثُمَّ يسجد [7] لِلَّهِ شكرًا.
الْمَدَائِنِي قَالَ: سمر خَالِد بْن صفوان عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس، ففخر قوم من بَنِي الْحَارِث بْن كعب وخالد ساكت، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: تكلم يَا خَالِد، فَقَالَ:
هَؤُلاءِ أخوال أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: وأنت من أعمامه وليس الأعمام بدون الأخوال، فَقَالَ: وَمَا أكلم من قوم إِنَّمَا هم على افتخارهم بين ناسج برد