فدخل أعرابي يومًا دار الْعَبَّاس فرأي عَبْد اللَّهِ فِي ناحية منها يفتي النَّاس ويعلمهم ويسألونه عَنِ الْقُرْآن فيفسره لَهُمْ، ورأى عُبَيْد اللَّه فِي ناحية أُخْرَى يطعم النَّاس، فَقَالَ: من أراد الدنيا والآخرة فليأتِ دار ابني الْعَبَّاس، هَذَا يفسر الْقُرْآن، وَهَذَا يطعم الطعام.

وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ عن مشايخه قال: كانت بين الزبير ابن الْعَوَّامِ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ضَيْعَةٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَ جَعْفَرٍ أَنْ يُقَاسِمَهُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَوَعَدَهُ الْبُكُورَ مَعَهُ إِلَيْهَا. وَمَضَى ابْنُ الزُّبَيْر إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَإِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَحْضُرُوا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَعْفَرٍ، فَأَجَابُوهُ وَغَدَوْا لِمِيعَادِهِ، وَوَافَاهُمُ ابْنُ جَعْفَرٍ، وَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ بِجَزُورٍ وَدَقِيقِهُ وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: أَنِخِ الْجَزُورَ نَاحِيَةً وَاسْتُرْ [1] أَمْرَهَا وَلا تُحْدِثَنَّ فِيهَا حَدَثًا حَتَّى آمُرَكَ فَإِنِّي لا آمَنَ انْتِقَاضُ هَذَا الأمْرِ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ سَأَلَ الْقَوْمَ أَنْ يَسْأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ أَخَذَ الْغَامِرِ [2] مِنَ الضَّيْعَةِ وَتَسْلِيمَ الْعَامِرِ [3] لَهُ، فَكَلَّمُوهُ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَجَاعَ [4] الْقَوْمُ حَتَّى تَشَاكُوا الْجُوعَ. فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَتِ الْبَرَاذِينُ تُؤْكَلُ أَطْعَمْتُكُمْ بَرْذُونِي، وَقَالَ الْحُسَيْنُ: لَوْ كَانَتِ الْبِغَالُ تُؤْكَلُ أَطْعَمْتُكُمْ بَغْلِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: لَكِنَّ الْبَخَاتِيَّ تُؤْكَلُ، وَكَانَ تحته بختيّة قد ريضت فَأَنْجَبَتْ فَنَهَضَ إِلَيْهَا فَكَشَطَ عَنْهَا رَحْلَهَا، وَأَخَذَ [5] سَيْفَهُ فَوَجَأَ بِهِ لَبَّتَهَا، وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَيْهَا بِكَسْرِ المَرْوِ وَالسَّكَاكِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْلُخُونَهَا، وَأَخَذُوا لَحْمَهَا وَأَوْقَدُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ فَأَتَوُا بِقُدُورٍ وَخُبْزٍ كَثِيرٍ فَشَوَوْا وَطَبَخُوا، فَلَمْ يَشْعُرِ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلا بِرِيحِ القثاء وَبِالدُّخَانِ، فَظَنَّ أَنْ [6] وَكِيلَهُ نَحَرَ جَزُورَهُ، فَجَعَلَ يَشْتُمُهُ وَيَعْذِلُهُ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّ جزورك على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015