وَالرِّفَادَةِ فَاسْتَسْلَفَ مِنْ أَخِيهِ الْعَبَّاسِ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ سَأَلَهُ سَلَفَ خَمْسَةَ عَشرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ أَرْبَعَةَ عَشرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّكَ لَنْ تَقْضِيَنِي مَا لِي عَلَيْكَ فَأَنَا أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تُؤَدِّ إِلَيَّ مَالِي كُلَّهُ فِي قَابِلٍ فَأَمْرُ هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ مِنَ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ إِليَّ دُونَكَ وَالْمَالُ لَكَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْسِمُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ازْدَادَ أَبُو طَالِبٍ عَجْزًا وَضَعْفًا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ تُمْكِنْهُ [1] النَّفْقَةُ وَلَمْ يَقْضِ الْعَبَّاسُ مَالَهُ، فَصَارَتِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ إِلَيْهِ. وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ كَرْمٌ بِالطَّائِفِ يُؤْتَى بِزَبِيبِهِ فَيُنْبَذُ فِي السِّقَايَةِ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَهَمَّ بِدَفْعِهِ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَنَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أهلها [2] فَأَقَرَّ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ فِي يَدِ الْعَبَّاسِ وَأَقَرَّ الْحِجَابَةَ فِي يَدِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أبي طلحة ابن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ [3] . [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ: أَلا إِنِّي قَدْ وَضَعْتُ كُلُّ مَأْثَرَةٍ وَمَكْرُمَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ [4]] .

وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: قام الْعَبَّاس بالسقاية والرفادة، ثُمَّ قام بِذَلِك عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ثُمَّ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ مُحَمَّد بْن عَلِي ثُمَّ دَاوُد بْن عَلِي ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَلِي ثُمَّ عِيسَى بْن عَلِي، فَلَمَّا استخلف أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبُو جَعْفَر [5] قَالَ: إنكم تقلدون هَذَا الأمر مواليكم فموالي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أحقّ بالقيام بِهِ، فولى السقاية ونفقاتِ الْبَيْت مَوْلَى لَهُ يُقَالُ لَهُ زَربي، وجُعلت الرفادة من بَيْت المال.

المدائني عَنِ ابْن جُعْدُبَة قَالَ: دَخَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى [6] عَنْهُمَا، وَكَانَ الْعَبَّاس خالَ أمه أروى بِنْت كُرَيز فَقَالَ: يَا خال أوصني، فَقَالَ: أوصيك بسلامة القلب، وترك مُصَانَعة الرجال فِي الحق، وحفظ اللسان، فإنك مَتَى (534) تفعلْ ذلك ترض ربك وتصلح لك رعيتك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015