قَوْمَهُ فَيَكْتُمُ إِسْلامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ مُتَفَرِّقٍ عَلَى قُرَيْشٍ وَكَانَ يُحَامِي عَلَى مَكْرُمَتِهِ وَمَكْرُمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنَ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ وَيَخَافُ خُرُوجَهُمَا مِنْ يَدِهِ، فَخَرَجَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَطْعَمَ تَجَلُّدًا مَعَ الْمُطْعِمِينَ، وَكَانَ يَكْتُبُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِهِمْ [1] وَمَا أَعَدُّوا لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَحَذَّرَهُ إِيَّاهُمْ كَيْلا يُصِيبُوا غُرَّتَهُ [2] .
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ يُعْلِمُهُ السَّبَبَ الَّذِي خَرَجَ لَهُ مِنْ مُدَارَاةِ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَاتِلٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ بِهِمْ وَيَكْسِرَهُمْ فَعَلَ، فَلَمَّا أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَلْزِمْنِي مِنَ الْفِدَاءِ أَغْلَظَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ، وَكَانَ كِتَابُهُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَمَعَهُ كِتَابُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِعْدَادِ قُرَيْشٍ لِغَزْوِهِ يَوْمَ أُحُدٍ إِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يُصِيبُوا غُرَّتَهُ، وَبَلَغَهُ فَتْحُ خَيْبَرَ فَأَعْتَقَ غُلامًا لَهُ يُكَنَّى أَبَا زَبِيبَةَ.
قَالُوا: وَكَانَ الْعَبَّاس آخذًا بلجام بغلة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنين، ويقال بحَكمَته، وأقبل يَوْمَئِذٍ نفرٌ من بَنِي ليث من كنانة يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدنا منه أحدُهم فاحتضنه الْعَبَّاس وأحدق بِهِ موالي رَسُول اللَّهِ، فَقَالَ الْعَبَّاس لأقرب الموالي منه: اضرب ولا تتقِ مكاني ولا تبل [3] أيَّنا قتلت، فقتل المولى الليثي وجاء أَخُو المقتول فرفع يده إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا فاحتضنه الْعَبَّاس وَقَالَ كَمَا قَالَ أوّلًا فقُتل، حَتَّى فعل ذَلِكَ بستة مِنْهُم، فدعا لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَبّل وجهه. وَفِي يَوْم حنين يَقُول الْعَبَّاس [4] :
ألا هَلْ أتى عرسي مكَرِّي ومقدَمي ... بوادي حنينٍ والأسنةُ شرع
[5]
وقولي إِذَا مَا النفسُ جاشت ألا قري [6] ... وهامٌ تَدَهْدى يَوْم ذاك وأذرع