من حضره منهم، ثمّ أمر الجميع أن يتكلّموا في الزّهد في هذا العالم الذي هو عالم الدّثور والفناء والغرور، فذكر كلّ واحد منهم ما سنح له من الأخبار عن الفلاسفة والمتقدّمين والحكماء اليونانيين كسقراط وذوجانس (?)، فقال الواثق: قد أكثرتم فيما ذكرتم، وأحسنتم الحكاية فيما وصفتم، فليخبرني مخبر منكم ما أحسن ما سمع من كلام الذين حضروا وفاة الإسكندر لما جعل في تابوت الذّهب؟ فقال بعض من حضره: كلّ يا أمير المؤمنين حسن فيما ذكره، وأحسن ما نطق به من حضر ذلك المشهد من الحكماء ذوجانس، وقد قيل إنّه لبعض (?) حكماء الهند فقال: إنّ الإسكندر أمس أنطق منه اليوم، وإنّه اليوم أوعظ منه أمس.
وقد أخذ هذا أبو العتاهية (?) فقال:
كفى حزنا بدفنك ثمّ إنّي … نفضت تراب قبرك من يديّا
وكانت في حياتك لي عظات … فأنت اليوم أوعظ منك حيّا
فاشتدّ بكاء الواثق، وعلا نحيبه، وبكى من حضره، ثمّ قام من فوره وأنشد: