ومع أن المسلمين لم يصطدموا بالروم البيزنطيين في غزوة تبوك، فإنها كرّست هيبة المسلمين في الجهات المحاذية للروم أولاّ، واخترقت الدعوة بلاد الشام ثانياً، فأسلم بعض عربها كفرْوة بن عمرو الجذامي، الذي صلبه الروم بسبب ذلك1. وقدمت بعض وفودهم كوفد الداريين، وعلى رأسهم تميم الداري2 رضي الله عنه.
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبن للأمة المسلمة خطة الفتح، وطرق تبليغ الدعوة خارج شبه الجزيرة، فأمر بتجهيز جيش أسامة وأمر بإنفاذه (أثناء مرضه) إلى الشام3.
وبهذا يتضح أن الفتوحات الإسلامية لم تأت وليدة الصدف، ولم تكن خطة الفتح ارتجالية، وإنما كانت وفق خطة واضحة، راشدة، واضحة أسسها النبي صلى الله عليه وسلم وسار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده على منهجها. فأنفذ أبو بكر بعث أسامة إلى الشام رغم ظروف المدينة الحرجة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب ردة العرب ردة عامة أو خاصة، وتطلع القوى المعادية للدعوة الإسلامية إلى القضاء على الإسلام ودولته، فكانت معارضة بعض الصحابة في إنفاذ جيش أَسامة4.
وقام أبو بكر رضي الله عنه بتوجيه عبادة بن الصامت رضي الله عنه إلى "هرقل" إمبراطور الروم يدعوه إلى الإسلام، أو الجزية، أو يؤذنه بحرب، فقام عبادة رضي الله عنه بمهمته5.
كل ذلك ليؤكد أبو بكر للمسلمين خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفتوحات عملياً.
ولما تم القضاء على حركة الردة قاما أبو بكر رضي الله عنه مباشرة بتوجيه الجيوش الإسلامية إلى العراق والشام، وفي وقت واحد، أن قام بمواجهة الدولتين الكبيرتين في العالم آنذاك- دولة فارس الكسروية ودولة الروم البيزنطيين القيصرية- دون أن يحسب حسابا للقوى المادية، من حيث العَدد والعُدد، وذلك قياماً لما يطلبه الإسلام من تبليغ الدعوة، واتباعاً لأساليب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنفيذا لخطته. فتوجهت قوات الإسلام، للفتح، تحقيقاً لأهداف فرضية الجهاد في سبيل الله.