وقال جل وعلا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 1.
وقال تعالى:
{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 2.
ولا نعلم حكومة في تاريخ العالم التزمت بالعدل بالقدر الذي ظهر في حكومة الإسلام، وخاصة في العهدين النبوي والراشدي، فنتج عن ذلك سرعة انتشار الإسلام وشيوعه بين الناس على مختلف أجناسهم وألوانهم وعاداتهم، ولغاتهم، وأوطانهم.
ولما دوّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديوان الجند والعطاء3، شمل بالعطاء جميع رعايا الدولة الإسلامية من المسلمين (بدون تمييز في الجنس أو اللون) ومن احتاج من غير المسلمين. فكان لذلك أثر كبير في إقبال الناس على الإسلام.
وأجمل ما تميز به العدل في الدولة الإسلامية- العدل والقضاء. فكان الفصل في خصومات الناس يتم على أساس الأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة. ورسالة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريَ في القضاء معروفة4، وقد اتخذها القضاة المسلمون أساساً لأنظمتهم القضائية.
وعينّ الخلفاء الراشدون قضاة للأمصار الإسلامية المفتوحة، مستقلين عن الأمراء وقادة الجند، ينوبون عنهم في الفصل بين الناس، على أساس من الكتاب والسنة والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص.
وكان يراعي في اختيار القاضي، غزارة العلم، والتقوى، والورع، والعدل، فكان القضاة من خيار الناس، يخشون الله، ويحكمون بين الناس بالعدل، وكلمتهم نافذة على الولاة وعمال الخراج، بل على الخلفاء، واستمر ذلك في عهد الأمويين، وفي كثير من عهود دولة الإسلام. كما كان للقاضي رزق من بيت المال لما يلزمهم من الانقطاع لهذا العمل، وترك ما يرتزقون منه، ورزق القاضي كبير، ويُعطاه مقدماً حتى لا ينظر بعد ذلك إلى شيء، وكثير من قضاة الإسلام كانوا يرفضون الرزق محتسبين.