ولذلك لم يميّز من كتب من وجهة النظر الغربية في تاريخ الإسلام بين مفهوم الجهاد- الذي يعمل على إزالة العقبات، وتحطيم الحواجز التي تعترض الدعوة، وتحول دون وصول الإسلام إلى الناسِ- وبن اعتناق الناس للإسلام1 الذي هو أجلّ نعمة للبشرية. والنعمة لا تُفرض فرضاً، ولكن النفوس الطيبة تسارع إليه عندما تتاح لها الفرصة للمعرفة والمشاهدة. والفتوحات وفرت هذه الفرصة، فلم تكن الفتوحات إذن لإجبار الناس على الدخول في الدين، قال تعالى:
{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} 2.
وقال سبحانه وتعالى:
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 3.
فأمر سبحانه وتعالى الرسول والمسلمين أن تكون الدعوة طيبة، تخاطب الناس في رفق لمحاولة إقناعهم، لا إكراه فيها ولا تهديد، وأن يكون حوارهم مع أهل الكتاب هادئاً لا يجادلونهم إلا بالتي هي أحسن، فإن آمنوا فقد اهتدوا، وإن تولوا فالآمر متروك لله سبحانه وتعالى. قال تعالى:
{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 4.
ومن الغربيين من أكد على عدم إكراه المسلمين لغيرهم على اعتناق الإسلام مثل: "فون كريمر"5. وأجاد "غوستاف لوبون" في عرضه عدم إكراه المسلمين الناس على الإسلام، وبينّ أن الإسلام انتشر بالدعوة وحدها6.
وقال "فرانز روزنتال" معبراً عن ذلك:
"وقد نمت المدنية الإسلامية بالتوسع لا بالتعمق، داعية إلى العقيدة، مناقشة لتلك الحركات الفكرية الموجودة. وفوق كل ذلك، فبتقدم الإسلام تهاوت الحواجز القديمة من اللغة، والعادات، و. توفرت فرصة نادرة لجميع الشعوب، والمدنيات لتبدأ حياة فكريه جديدة، على أساس المساواة المطلقة، وبروح من المنافسة الحرة"7.