"كنت والياً على حمص، فلقيت شيخاً قد سقط حاجباه، من أهل دمشق، على راحلته، يريد الغزو. قلت:
"يا عم، أنت معذور عند الله".
فرفع حاجبه وقال:
"يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، ألا من أحبه الله ابتلاه".
وعن الزهري قال:
"خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه. فقيل له: إنك عليل، صاحب عذر.
فقال: "استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن عجزت عن الجهاد، كثّرت السواد، وحفظت المتاع"1.
وكان ابن أم مكتوم رضي الله عنه أعمى وأنزلت فيه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فكان بعدُ يغزُ ويقول:
"ادفعوا إليّ اللواء، فإني أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصفين"
وحضر القادسية ومعه راية سوداء وعليه درع. ويقال انه استشهد يوم القادسية2.
فكان توجه الفاتحين إرضاء لله سبحانه وتعالى، وابتعدوا من المصالح الدنيوية، واصطدموا بالدولتين الكبريات فارس، والروم، دون أن يكون هناك نسبة بالمقاييس المادية بين الفاتحين والدولتين، لا في العدد ولا في العدة، فما من معركة خاضها المسلمون إلا وواجهوا قوات أكثر عدداً وعدة، وكانت كل من الدولتين تحشد عدداً كبيراً من الجند يدل على قوتها، لا على ضعفها3. وإن من يقدم حياته من أجل عقيدته لا يفكر بالغنائم، فكانت الغنيمة نتيجة للفتوحات وليست سبباً فيها، فنال المسلمون خيري الدنيا والآخرة، وكانوا يؤثرون الشهادة على الغنيمة، وعلى الحياة. ولا يعني هذا أن جميع الجند كانوا يحملون هذه الروح، بل وُجد بين المسلمين من اندفع من أجل الغنيمة. وهؤلاء لا يعتَدّ بهما، وليسوا