والاعتزاز بماضيها الإسلامي. وحاولت منطقة الأندلس ربط علاقات خاصة مع العالم الإسلامي، بصفة عامة، والعربي، بصفة خاصة، والمغرب العربي بصفة أخص. فلم تجد إلا سوء فهم وصد، مما جعل الكثير من زعمائها يتحولون عن العرب وينقلب حبهم لهم إلى عداء. ولا يفسر هذا الخذلان إلا جهل الدول العربية بالواقع الإسباني الجديد وبالتغيرات التي حدثت في إسبانيا بعد وفاة فرانكو.
وبفوز القومية الأندلسية ورجوع الديموقراطية والحرية الدينية إلى إسبانيا، ظهر المناخ المناسب لظهور الإسلام من جديد بين ثلة من شباب الأمة الأندلسية الذين تبنوا أفكار إنفانتي كاملة وفسروها بضرورة الرجوع إلى الإسلام لتحرير الشعب الأندلسي من الهجمة الصليبية على شخصيته ووجوده، أو دفعهم إلى الإسلام مناخهم العائلي والاجتماعي عبر الطرق الصوفية، خاصة الدرقاوية.
وكانت هذه النخبة المسلمة الأندلسية تعقد الآمال على العالم الإسلامي في مساندتها لتعليم أبنائها المبادىء الإسلامية واللغة العربية، ومساعدتها على التعريف بالأندلس، فلم تجد سوى سوء الفهم والصد المتواصل. فكل من يزورهم من العالم الإسلامي يصبح ناصحًا لاتّباع مذهب أو آخر أو مساندة دولة ضد أخرى أو إزاحة مسؤول أو آخر، مع بخل في المساندة وسوء فهم للدوافع. كما ساند العالم الإسلامي بعض المهاجرين الذين أرادوا أن يحتكروا الإسلام، والذين أساؤوا فهم حب الأندلسيين لوطنهم وأمتهم. أما السياح المسلمين إلى الأندلس وزوارها، منهم أغنياؤهم المشارقة وفقراؤهم المغاربة، فلا يعطون الصورة المشرّفة للإسلام التي يتخيلها الراجعون إليه في الأندلس، والتي يحاولون التمسك بها في شكلها الطاهر الجميل الذي أتى به سيد الخلق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. أما أخبار العالم الإسلامي من تشرذم وفقر واستهتار بالمبادىء الإسلامية وحقوق الإنسان واستبداد وتخلف وأوبئة اجتماعية، فلا تجعله في المستوى الأخلاقي المناسب للدعوة إلى الإسلام بين الأندلسيين. وأدى هذا الوضع إلى خلق فجوة بين المسلمين الأندلسيين الجدد والعالم الإسلامي، وبينهم وبين المهاجرين المقيمين في إسبانيا، جعلت الكثير منهم يحاولون فهم الإسلام دون مساندة العالم الإسلامي، بل يتخوفون من سلبياته على مسيرتهم.
ويبقى أن نترقب مستقبل هذه الصحوة الإسلامية الأندلسية. فالظاهر أن الفجوة بين الأندلسيين والمهاجرين سوف تزيد، بسبب محاولة بعض هؤلاء، بمساندة بعض الدول العربية، على التسلط على الوجود الإسلامي في إسبانيا، خاصة بعد أن اعترفت