وسئل عنه يحيى بن معين، فبسم وقال: أعن أبى عبيد أسأل؟ أبو عبيد يسأل عن الناس. وسئل عنه أحمد بن حنبل فقال: أبو عبيد عندنا يزداد كلّ يوم خيرا.
وذكر أن أبا عبيد قدم مكة حاجّا؛ فلما قضى حجّه وأراد الانصراف اكترى إلى العراق ليخرج صبيحة الغد. قال أبو عبيد: فرأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى رؤياى وهو جالس، وعلى رأسه قوم يحجبونه والناس يدخلون ويسلمون عليه ويصافحونه.
قال: فكلما دنوت لأدخل مع الناس منعت، فقلت لهم: لم لا تخلّون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا لى: لا والله، لا تدخل عليه، ولا تسلم عليه، وأنت خارج غدا إلى العراق. فقلت لهم: إنى لا أخرج إذا. فأخذوا عهدى ثم خلّوا بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت وسلمت عليه وصافحنى، وأصبحت ففسخت الكراء وسكنت مكّة.
ولم يزل بها إلى أن توفّى رحمه الله ودفن فيها فى دور جعفر فى المحرم سنة أربع وعشرين ومائتين، وعاش ثلاثا وسبعين سنة.
قال الزّبيدىّ: «عددت حروف الغريب المصنف لأبى عبيد فى اللغة، فوجدت فيه سبعة عشر ألف حرف وتسعمائة وسبعين حرفا».
وعادت بركة أبى عبيد رحمه الله على أصحابه، فكلهم نبغ فى العلم واشتهر ذكره، وأخذ عنه وتصدّر للإفادة؛ فمنهم أبو عبد الرحمن أحمد بن سهل [1]، وأحمد بن عاصم [2]، وعلىّ بن أبى ثابت، وأبو منصور نصر بن داود الصّاغانى [3]، ومحمد بن وهب