القفطىّ فى تدبير المملكة، وفيا بالعهد، قائما بمصالح الملك، بعيد الصيت، مرعىّ الجانب، إلى أن توفّى سنة 646، ودفن بالمقام بحلب.

علمه وثقافته:

كان القفطىّ أديبا جيدّ الملكة، وافر المحفوظ، عالما طويل الباع، واسع الاطلاع، غزير المادّة واضح القصد، مصنفا سديد المنهج جامعا لأشتات الفوائد، ومنثور المسائل؛ جال فى كل فنّ، وشارك فى كل ناحية من نواحى المعرفة. قال ياقوت: «اجتمعت «1» بخدمته فى حلب، فوجدته جمّ الفضل، كثير النبل، عظيم القدر، سمح الكف، طلق الوجه، حلو البشاشة. وكنت ألازم منزله ويحضر أهل الفضل وأرباب العلم، فما رأيت أحدا فاتحه فى فنّ من فنون العلم، كالنحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والأصول والمنطق والرياضة والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل وجميع فنون العلم على الإطلاق، إلّا قام به أحسن قيام، وانتظم فى وسط عقدهم أحسن انتظام».

وقد تضافرت ظروف نشأته وحياته، وتعدّد أسفاره ورحلاته، واتصاله بشيوخه فى حلقات الدرس، ومناظرته للعلماء والأدباء فى مجالس الأدب والعلم، وعمله فى ديوان الإنشاء، وقراءته الموصولة فى الكتب والأسفار على تكوين ذوقه الأدبىّ، وتمكينه من المعرفة الشاملة، وذلك المحصول الوافر.

كانت أمه بدوية من عرب قضاعة، فصيحة مطبوعة تحفظ الشعر وترويه، وكان أبوه على ما عرفناه كاتبا، من كتّاب ديوان الإنشاء، فنشأ أديبا صافى الديباجة فتيق اللسان حرّ البيان.

وكانت القاهرة حينما ارتحل إليها منهلا للعلم والمعرفة، وموردا للفنون والآداب، حافلة بالعلماء، وقبلة للشعراء والأدباء، ودور الكتب ميسّرة لكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015