فيه أمورا لم يخلّ حدسى فيها، وعلمت أنّه لا يصلح للعشرة. وسافر عن حلب، وعاد إليها دفعة أخرى في شهور سنة ثلاث عشرة وستمائة، وأحضر معه كتبا ذكر أنها وديعة لغيره، كان في بعضها الجيّد، وتوجّه إلى دمشق.
وكان شديد الانحراف عن علىّ بن أبى طالب عليه السلام، يرتكب في أمره ما لا يرتكبه أحد من مصنّفي الفرق، حتى كأنّه قد طالع شيئا من مذهب الخوارج، فاشتبك في رأسه منه ما لم يزل، ولمّا دخل دمشق قعد في بعض أسواقها يناظر بعض من يتعصّب لعلىّ بن أبى طالب عليه السلام، وجرى بينهما كلام [1] أدّى إلى ذكره عليّا بما لم يسغ، جاريا على عادته في ذلك؛ فثار النّاس عليه ثورة كادوا أن يقتلوه لما سمعوه منه، وقدّر الله له السّلامة، فخرج عن دمشق منهزما، بعد طلب واليها المعتمد الموصلىّ. وجاء إلى حلب خائفا يترقّب، وخرج عن حلب في العشر الأوّل أو [2] الثانى من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، ووصل إلى الموصل متخفّيا من قوله، وتوجّه إلى إربل [3]، وسلك منها إلى بلاد خراسان، وتحامى دخول بغداد، لأنّ المناظر له كان بغداديّا، وخشى أن ينقل قوله فيطيح دمه، وأقام بخراسان يتّجر في بلادها. واستوطن مرو مدّة، وخرج عنها إلى نسا،