فقلت: يا أمير المؤمنين، على الخبير سقطت! خرجت من أهلى أريد ديار قرائب لى، ومعى ناقة أركبها، إذ ندّت فذهبت، فجعلت أتبعها حتى أمسيت؛ فأدركتها ونظرت؛ فإذا خيمة أعرابىّ فأتيتها، فقالت ربّة الخباء: من أنت! فقلت:
ضيف، قالت: وما يصنع الضيف عندنا! إن الصحراء لواسعة، ثم قامت إلى برّ فطحنته، ثم عجنت وخبزت، ثم قعدت فأكلت، ولم ألبث أن أقبل زوجها معه ابن، فسلّم ثم قال: من الرجل؟ فقلت: ضيف، حيّاك الله! ثم قال: يا فلانة، ما أطعمت ضيفك شيئا؟ قالت: نعم، فدخل الخباء فملأ قعبا من لبن، ثم أتانى به، فقال لى: اشرب، فشربت شرابا هنيئا، فقال: ما أراك أكلت شيئا! وما أراها أطعمتك، فقلت: لا والله، فدخل عليها مغضبا فقال: ويلك! أكلت وتركت ضيفك! قالت: وما أصنع به! أطعمه طعامى! وجاراها الكلام حتى شجّها؛ ثم أخذ شفرة؛ وخرج إلى ناقتى فنحرها، فقلت: ما صنعت عافاك الله! فقال: لا والله ما يبيت ضيفى جائعا؛ ثم جمع حطبا وأجّج نارا، وأقبل يكبّب [1] ويطعمنى، ويأكل ويلقى إليها، ويقول: كلى لا أطعمك الله! حتى إذا أصبح تركنى ومضى؛ فقعدت مغموما، فلما تعالى الظهر أقبل ومعه بعير ما يسأم الناظر أن ينظر إليه، فقال:
هذا مكان ناقتك؛ ثم زوّدنى من ذلك اللحم ومما حضره.
وخرجت من عنده فضمّنى الليل إلى خباء؛ فسلّمت فردّت صاحبة الخباء السلام وقالت: من الرجل؟ فقلت: ضيف، فقالت: مرحبا بك وحياك الله! عافاك الله! فنزلت فعمدت إلى برّ فطحنته ثم عجنته، ثم اختبزت خبزة [2] روتها بالزّبد واللبن ثم وضعتها بين يدى، وقالت: كل واعذر، فلم ألبث أن أقبل أعرابىّ كريه الوجه، فسلم فرددت عليه السلام، فقال: من الرجل؟ فقلت: ضيف، قال: