57 - حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَثَلُ الَّذِي يَسْمَعُ الْحِكْمَةَ وَلَا يَحْمِلُ إِلَّا شَرَّهَا كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا فَقَالَ: أَجْزِرْنِي شَاةً مِنْ غَنَمِكَ، قَالَ: انْطَلِقْ فَخُذْ بِأُذُنِ شَاةٍ مِنْهَا، فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلْبِ الْغَنَمِ"،

58 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ ثُمَّ لَا يَعِي مَا يَسْمَعُ. . . . . . .» . وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَلْبُ الْغَنَمِ خَيْرٌ مِنْ شَاةٍ، وَالْحِكْمَةُ لَا تُسَمَّى شَرًّا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحِكْمَةَ مَسْمُوعَةٌ وَمَعْقُولَةٌ، وَالْمَسْمُوعُ الْكَلَامُ الَّذِي بُنِيَ عَلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَأُحْكِمَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ: الْحِكْمَةُ مَرْجِعُهَا إِلَى الْعَدْلِ وَالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَحْكُمَ فُلَانٌ فُلَانًا عَنْ كَذَا، أَيْ مَنَعَهُ. أَخْبَرَنَا مُسَبِّحُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] قَالَ: الصَّوَابُ -[93]- وَقَالَ جَرِيرٌ:

[البحر الكامل]

أَبْنِي حَنِيفَةَ، أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا

فَمَنِ الْحِكْمَةِ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ:

[البحر الوافر]

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَطْلُبْ مَعَاشًا يَكْفِهِ ... شَكَا الْفَقْرَ أَوْ لَامَ الصِّدِّيقَ فَأَكْثَرَا

وَصَارَ عَلَى الْأَدْنَيْنَ كَلًّا وَأَوْشَكَتْ ... صِلَاتُ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُ أَنْ تُنْكَرَا

فَسِرْ فِي بِلَادِ اللَّهِ وَالْتَمِسِ الْغِنَى ... تَعِشْ ذَا يَسَارٍ أَوْ تَمُوتَ فَتُعْذَرَا

فَهَذِهِ حِكْمَةٌ، وَقَدْ دَلَّ صَاحِبُهَا عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ، وَرَغَّبَ فِي الثَّرْوَةِ، وَأَخْبَرَ عَنْ عُيُوبِ الْفَقْرِ وَفَضْلِ الْغِنَى، وَأَعْلَمَ أَنَّ فِيَ الْغِنَى صِيَانَةً لِلْعِرْضِ، وَقَضَاءً لِلْحَقِّ، وَصِلَةً لِلرَّحِمٍ، وَعَوْنًا عَلَى الْمُرُوءَةِ، وَهُوَ بِذَا الْكَلَامِ الْحَسَنِ وَالْمَعْنَى الْجَيِّدِ الَّذِي ضَمَّنَهُ غَيْرُ سَالِكٍ بِهِ سَبِيلَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، يُرِيدُ بِهِ الْغَارَةَ، وَيَبْعَثُ عَلَى الْقَتْلِ وَالتَّلَصُّصِ عَلَى مَا أَخْبَرُوا. وَخَيْرٌ مِنْهَا وَأَفْضَلُ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ وَابِصَةَ:

[البحر الطويل]

غِنَى النَّفْسِ مَا يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ خَلَّةٍ ... فَإِنْ زَادَ شَيْئًا عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرَا

فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ فَضْلِ الْقَنَاعَةِ، وَالرِّضَى بِالْمَيْسُورِ، وَدَلَّ عَلَى مَوَاقِعِ الْكَفَافِ، وَغِنَى النَّفْسِ، وَذَمِّ التَّكَاثُرِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَأَتَمِّهِ بَيَانًا، وَأَحْسَنِهِ مِنْ قُلُوبِ أَهْلِ الْبَصَائِرِ مَوْقِعًا، وَأَجْمَعِهِ لِحَظِّ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَهِيَ خَيْرٌ مِنَ الْأُولَى وَأَفْضَلُ، وَهُمَا حِكْمَتَانِ -[94]-. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:

[البحر الطويل]

وَكُنْتُ امْرَأً لَا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً ... أُسَبُّ بِهَا إِلَّا كَشَفْتُ غِطَاءَهَا

مَتَى يَأْتِ هَذَا الْمَوْتُ لَمْ تَبْقِ حَاجَةٌ ... لِنَفْسِيَ إِلَّا قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَهَا

فَانْظُرْ جَوْدَةَ هَذَا الْكَلَامِ وَحُسْنَهُ، وَقَدْ دَلَّ ظَاهِرُهُ عَلَى مُبَادَرَةِ اللَّذَّةِ بِالْفَوْتِ، وَالْأَخْذِ مِنْهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ قَائِلُهَا أَنَّهُ شَفَى نَفْسَهُ بِدَرَكِ ثَأْرِهِ، وَالِاعْتِلَاءِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَهُوَ حِكْمَةٌ فِي مَعْنَاهُ. وَخَيْرٌ مِنْهُ وَأَفْضَلُ قَوْلُ الصَّلْتَانِ الْعَبْدِيِّ:

[البحر المتقارب]

نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا ... وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي

تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ ... وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِي

فَانْظُرْ أَيْنَ مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ إِذَا اعْتُبِرَ، وَمِقْدَارُهُ إِذَا وُزِنَ؟ . وَالْحَاجَةُ: مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّدْرُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا تَتَنَاهَى بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ أَقْصَى بُغْيَتِهِ مِنْ دُنْيَاهُ، فَيَقْضِيَ مِنَ الْحَيَاةِ نَهْمَتَهُ، وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا شَهْوَتَهُ، وَأَنَّهُ رَهِينٌ بِمَا يُحَاوِلُ، وَغَيْرُ بَالِغٍ جَمِيعَ مَا يُؤَمِّلُ وَإِنْ طَالَتْ أَيَّامُهُ وَامْتَدَّ عُمُرُهُ، وَالْآخِذُ بِقَوْلِ قَيْسٍ هُوَ الْحَامِلُ لِشَرِّ الْحِكْمَتَيْنِ.

-[95]-

97 - وَأَمَّا قَوْلُهُ «أَجْزِرْنِي شَاةً» فَإِنَّهُ اسْتَعْطَى مَا يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهِ، وَالْكَلْبُ لَا يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهِ، إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِصَيْدِهِ وَحِرَاسَتِهِ، وَالْجَزْرُ: كُلُّ شَيْءٍ يُبَاحُ لِلذَّبْحِ، وَالْوَاحِدُ جَزْرَةٌ. قَالَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ:

[البحر البسيط]

أَصْبَحْتُمُ جَزَرًا لِلْمَوْتِ يَأْخُذْكُمْ ... كَمَا الْبَهَائِمُ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ جُزُرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015