17 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَا: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلْتِ الشَّمْسَ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ، فَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، ثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، ثنا يَزِيدُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ , وَحَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ، ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ -[44]- إِبْرَاهِيمَ، ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، ثنا هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الزَّهْرَةُ: نَوَّارُ الرَّبِيعِ , وَزَهْرَةُ الدُّنْيَا: حُسْنُهَا وَبَهْجَتُهَا وَمَا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِمَّا يَتَنَافَسُ أَهْلُهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَانِيَةٌ تَتَقَدَّمُ الْآخِرَةَ. وَالرَّبِيعُ: فَصْلٌ مِنَ الزَّمَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَيُسَمَّى الْمَطَرُ بِعَيْنِهِ رَبِيعًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْجَوَادِ الْكَثِيرِ الْمَعْرُوفِ الْفَائِضِ الْخَيْرِ رَبِيعٌ، وَيَجْمَعُ مَعْنَى الْخِصْبِ وَالسَّعَةِ وَالْخَيْرِ كَمَا قَالَ الْمُعَذِّلُ بْنُ غَيْلَانَ:

[البحر الطويل]

أَرَى خَلَّةً مِنْ صُحْبَةٍ وَقَرَابَةٍ ... وَذِي رَحِمٍ مَا كُنْتُ مِمَّنْ يُضِيعُهَا

وَلَوْ سَاعَدَتْنِي بِالْمَكَارِمِ قُدْرَةٌ ... لَفَاضَ عَلَيْهِمْ بِالنَّوَالِ رِبِيعُهَا

قَالَ أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ: أَوَّلُ الرَّبِيعِ عِنْدَ طُلُوعِ الْحَمَلِ وَالثَّوْرِ وَالْجَوْزَاءِ، ثُمَّ الصَّيْفِ وَهُوَ عِنْدَ طُلُوعِ السَّرَطَانِ وَالْأَسَدِ وَالسُّنْبُلَةِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ. أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّبِيعَ -[45]- عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ الْفَصْلُ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّاسُ الْخَرِيفُ، وَذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الشَّمْسِ بِرَأْسِ الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَإِنَّمَا سَمَّتْهُ الْعَرَبُ الرَّبِيعَ لِأَنَّ أَوَّلَ الْمَطَرِ يَكُونُ فِيهِ، وَسَمَّاهُ النَّاسُ الْخَرِيفَ لِأَنَّ الثِّمَارِ تَخْتَرِفُ فِيهِ فَهَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ ضَرْبٌ مِنَ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْفَصْلَ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ حُلُولُ الشَّمْسِ السَّرَطَانَ وَالْأَسَدَ وَالسُّنْبُلَةَ قَيْظًا، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تُحْمَى فِيهِ الشَّمْسُ وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْحَرُّ، وَفَصْلُ الصَّيْفِ مَقْرُونٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ يَتَقَدَّمُهُ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُبْطِلُهُ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الصَّيْفِ وَبَيْنَهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الطويل]

أَمَا يَسْتَفِيقُ الْقَلْبُ إِلَّا انْبَرَى لَهُ ... تَوَهُّمُ صَيْفٍ مِنْ سُعَادٍ وَمُرْبِعِ

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَاعَدَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ عَنِ الْآخَرِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ النُّعْمَانِ الْقَزَّازُ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلَيٍّ الْعِجْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ آدَمَ يَقُولُ: السَّنَةُ أَرْبَعَةُ أَزْمَنَةٍ، كُلُّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا زَمَانٌ. فَالرَّبِيعُ زَمَانٌ، وَهُوَ أَيْلَولُ وَتَشْرِينُ الْأَوَّلُ وَتَشْرِينُ الثَّانِي، ثُمَّ الشِّتَاءُ زَمَانٌ، وَهُوَ كَانُونُ الْأَوَّلُ وَكَانُونُ الثَّانِي وَشِبَاطٌ، ثُمَّ الصَّيْفُ زَمَانٌ، وَهُوَ آذَارُ وِنَيْسَانُ وَأَيَّارُ، ثُمَّ الْقَيْظُ زَمَانٌ، وَهُوَ حَزِيرَانُ وَتَمُّوزُ وَآبُ -[46]- وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ السَّرِيِّ يَقُولُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ الرَّبِيعَ الْأَوَّلَ مِنَ السَّنَةِ ابْتِدَاؤُهُ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ تَمْضِي مِنْ أَيْلُولَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الرَّبِيعَ الْأَوَّلَ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ تَمْضِي مِنْ آذَارَ. قَالَ: وَذَلِكَ آخِرُ أَمْطَارِ الشِّتَاءِ وَأَوَّلُ مَطَرِ الرَّبِيعِ. وَقَالَ: وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ نَيْسَانَ آخِرُ مَطَرِ الرَّبِيعِ وَأَوَّلُ مَطَرِ الصَّيْفِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: الْوَسْمِيُّ: أَوَّلُ مَطَرِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَطَرِ، وَهُوَ الَّذِي يِسِمُ الْأَرْضَ وَقَدْ تَرَدَّدَ ذِكْرُ الرَّبِيعِ فِي الشِّعْرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْمَطَرَ بِعَيْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ النَّبَاتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْوَقْتَ، فَأَمَّا مَا جَاءَ وَصْفُهُ وَطِيبُ أَوَانِهِ مِنْ قَدِيمِ الشَّعْرِ وَحَدِيثِهِ فَإِنَّمَا يُعْنَى بِهِ أَيَّامُ النَّشْرِ وَالزَّهْرِ وَالنَّوْرِ، كَمَا قَالَ الْبُحْتُرِيُّ:

[البحر الطويل]

أَتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكًا ... مِنَ الْحُسْنِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا

وَقَدْ نَبَّهَ الْمَنْثُورُ فِي غَلَسِ الدُّجَى ... أَوَائِلَ وَرْدٍ كُنَّ بِالْأَمْسِ نُوَّمَا

فَأَوْجَبَ اسْمَ الرَّبِيعِ لِفَصْلِ نَيْسَانَ. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ: إِنَّ الرَّبِيعَ أَوَّلُ الزَّمَانِ وَهَذِهِ صِفَةُ زَمَنِ النُّورِ. وَأَنْشَدَنَا ابْنُ عَرَفَةَ بَيْتَيْنِ:

[البحر الوافر]

تَوَاصُلُنَا عَلَى الْأَيَّامِ بَاقٍ ... وَلَكِنْ هَجْرُنَا مَطَرُ الرَّبِيعِ

يَرُوعُكَ صَوْبُهُ لَكِنْ تَرَاهُ ... عَلَى رَوَعَاتِهِ دَانِي النُّزُوعِ

وَهَذَا نَعْتُ الْمَطَرِ فِي آذَارَ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا لَا تَقُومُ فِي مِثْلِهِ حُجَّةٌ مِنْ شِعْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ أَعْلَامُ الدِّرَايَةِ، وَسَوَاءٌ قَالُوا ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ أَتَوْا بِهِ شِعْرًا -[47]-، وَأَحْسِبُهُ نَقَلَ اسْمَ زَمَنِ النَّوْرِ إِلَى اسْمِ الرَّبِيعِ لِأَنَّ آثَارَ الْمَطَرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَرْضِ وَسَبَبًا لِلنَّشْرِ تَظْهَرُ فِيهِ، وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] ، وَلَيْسَ اخْضِرَارُهَا عُقَيْبَ يَوْمٍ يُمْطَرُ فِيهِ، إِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا بِمَكَّةَ مَوْجُودٌ، تَخْضَرُّ الْأَرْضُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ. وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي مَعْنَى الْمَطَرِ بِعَيْنِهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

[البحر الطويل]

خَلِيلَيَّ أَمْسَى حُبُّ خَرْقَاءَ عَامِدِي ... فَفِي الْقَلْبِ مِنِّي زَفْرَةٌ وَصُدُوعُ

وَلَوْ جَاوَرَتْنَا الْعَامَ خَرْقَاءُ لَمْ نَبُلْ ... عَلَى جَدْبِنَا إِلَّا يُصَوبُ رَبِيعُ

وَقَالَ آخَرُ:

[البحر الطويل]

إِذَا غِبْتَ عَنَّا غَابَ رَبِيعُنَا ... وَنَسْقِي الْغَمَامَ الْغَدَقَ حِينَ تَؤُوبُ

وَقَالَ أَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبَيْتَ:

[البحر الطويل]

وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

وَأَنْشَدَنَا الْحَامِضُ: ثِمَالُ الْيَتَامَى وَأَنْشَدَنَا وَكِيعٌ لِصَمُوتٍ الْأَعْرَابِيَّةِ. قَالَ وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ:

فَكِّهْ إِلَى جَنْبِ الْخُوَانِ إِذَا سَرَتْ ... نَكْبَاءُ تَقْطَعُ مَنْبِتَ الْأَطَنَابِ

وَأَبُو الْيَتَامَى يُنْبِتُونَ فِنَاءَهُ ... نَبْتَ الرَّبِيعِ بِكَالِئٍ مِعْشَابِ

-[48]-

فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ» . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْكَلَامِ فِي تَحْذِيرِ الدُّنْيَا، وَالِاعْتِزَازِ بِزَهْرَتِهَا، وَالرُّكُونِ إِلَى غَضَارَتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ يَرُوقُهَا نَبْتُ الرَّبِيعِ، فَتَأْكُلُ مِنْهُ بِأَعْيُنِهَا، فَرُبَّمَا تَفَتَّقَتْ سِمَنًا فَهَلَكَتْ. يَقُولُ: فَمَنْ أَعْطَى كُفُؤًا وَرَفَاهِيَةَ عَيْشٍ فِي دُنْيَاهُ فَلْيَقْتَصِدْ وَلَا يَنْهَمِكْ فِيهَا فَتُلْهِيَهُ عَنْ الِاحْتِزَازِ لِآخِرَتِهِ فَيَهْلِكَ، كَمَا أَنَّ الْمَاشِيَةَ تُلْهِيهَا زُهْرَةُ النَّبَاتِ فَتَأْكُلُ حَتَّى تَهْلِكَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 2] . وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ يَذْكُرُ الدُّنْيَا

كَيْفَ يَحْلُو طَعْمُ شَيْءٍ زَائِلٍ ... رُبَّ حُلْوٍ فِي مَذَاقِ الْعَيْشِ مُرُّ

وَالْحَبَطُ: انْتِفَاخُ بَطْنِ الدَّابَّةِ مِنَ الِامْتِلَاءِ، أَوْ مِنَ الْمَرَضِ. يُقَالُ: حَبَطَ يَحْبَطَ حَبَطًا وَيُقَالُ: إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ مَازِنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ سُمِّيَ الْحَبَطُ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَمَاتَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ حَبَطِيُّ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - كَمَا يُنْسَبُ إِلَى سَلَمَةَ سَلَمِيُّ، وَإِلَى سَفَرَةَ سَفَرِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَثْقِلُونَ الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ. وَقَوْلُهُ: «أَوْ يُلِمُّ» يَعْنِي: أَوْ يَقْرَبُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: «فَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» الْبَرَكَةُ: الْكَثْرَةُ وَالِاتِّسَاعُ هَكَذَا قَالَهُ لَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَسَأَلَتُ عَنْهُ الْحَامِضَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِصَادِ وَالرِّضَى بِالْقَسْمِ حَيَا بِعِزِّ الْقَنَاعَةِ وَغِنَى النَّفْسِ حَيَاةً طَيْبَةً، وَمَنْ طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَى كُلِّ مَا يَرَى مِنَ الْمَتَاعِ بِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَأْكُلُ فَتَمْتَلِئُ ثُمَّ تَرُوثُ - وَالثَّلْطُ: الرَّوْثُ - وَتَبُولُ ثُمَّ تَجْتَرُّ، وَالْجَرَّةُ: أَنْ تُخْرِجَ مَا فِي بَطْنِهَا بَعْدَ الِامْتِلَاءِ فَتُدِيرُهُ فِي فَمِهَا، ثُمَّ تُعَاوِدَ الْأَكْلَ، لَا تَعْرِفُ غَيْرَ هَذِهِ الْحَالِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12] . وَقَوْلُهُ: «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» . قَالَ ابْنُ الْبِرْتِيِّ: مَعْنَاهُ: يُكْثِرُ الْأَكْلَ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ وَلَا يَسْكُتُ، وَيَبْكِي وَلَا يَرْقَأُ دَمْعُهُ -[49]-، وَمَعْنَاهُ: يُكْثِرُ الْكَلَامَ وَيُكْثِرُ الْبُكَاءَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا تَشْبَعُ عَيْنُهُ وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ , وَيُعْرَفُ بِالشَّامِيِّ، ثنا الْمُخَيْمِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنْبِجِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صِفْهُ لِي، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّوادَ يَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا، وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: هَلُمَّ ظُعُنُكُمْ إِلَى مَحِلِّةٍ تُطْفَأُ فِيهَا النِّيرَانُ، وَتَشْتَكِي فِيهَا النِّسَاءُ، وَتَنَافُسُ فِيهَا الْمِعْزَى، فَلَمْ يَفْهَمِ الْحَجَّاجُ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا تُخَاطِبُ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَأَفْهِمْهُمْ، قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، كَثُرَ الْمَطَرُ وَكَثُرَ الْكَلَأُ وَالْعُشْبُ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ نَارٍ يُخْبَزُ بِهَا، فَهَذَا إِطْفَاءُ النِّيرَانِ، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ: وَلَا تَزَالُ الْمَرْأَةُ تَرْعَى بُهْمَهَا فَتَأْخُذُ مَرَّةً يَمْنَةً، وَمَرَّةً يَسْرَةً لِكَثْرَةِ الْكَلَأِ، فَتَتْبَعُهَا الْمَرْأَةُ مِنْ لَيْلَتِهَا وَلِسَاقِهَا وَجِيفٌ مِنَ الْإِعْيَاءِ، فَهَذَا تَشَكِّي النِّسَاءِ، وَأَمَّا تَنَافُسُ الْمِعَزَى فَإِنَّ بُطُونَهَا تَشْبَعُ، وَعُيُونَهَا لَا تَشْبَعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015