امتاع الاسماع (صفحة 820)

الباطنة، وهي وجدان كلها، لا نطاق لها من مبدئها ولا من منتهاها، وهذه مدارك الأولياء، أهل العلوم اللدنية والمعارف الربانية، وهي الحاصلة بعد الموت لأهل السعادة.

وصنف مفطور على الانسلاخ من البشرية جملة: جسمانيها وروحانيها إلى الملائكية من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللمحات ملكا بالفعل، ويحصل له شهود الملأ الأعلى في أفقهم، وسماع الكلام النفساني والخطاب الإلهي في تلك اللمحة، وهو لأهم الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، جعل اللَّه لهم الانسلاخ من البشرية في تلك اللمحة وهي حالة الوحي، فطرة فطرهم اللَّه عليها، وجبلة صورهم فيها، ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة التي يحادون بها تلك الوجهة، وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكتنف بتلك الوجهة، وتشيع نحوها، فهم يتوجهون إلى ذلك الأفق بذلك النوع من الانسلاخ متى شاءوا بتلك الفطرة التي فطروها عليها، لا باكتساب ولا صناعة، فإذا توجهوا وانسلخوا عن بشريتهم، وتلقوا في ذلك الملأ الأعلى ما يتلقونه على جوابه على المدارك البشرية، متنزلا في قواها لحكمة التبليغ للعباد، فتارة بسماع دويّ كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الّذي ألقى إليه، فلا ينقضي الدويّ إلا وقد وعاه وفهمه.

وتارة يتمثل له الملك الّذي يلقى إليه رجلا يكلمه ويلقى ما يقوله، والتلقي من الملك والرجوع على المدارك البشرية وفهمه ما ألقي عليه كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، لأنه ليس في زمان بل كلها تقع جميعا، فتظهر كأنها سريعة، ولذلك سميت وحيا، لأن الوحي في اللغة الإسراع.

واعلم أن الأولى وهي حالة الدوي رتبة الأنبياء غير المرسلين على ما حققوه، والثانية وهي حالة يتمثل الملك رجلا يخاطب [و] [ (?) ] هي رتبة الأنبياء المرسلين، ولذلك كانت أكمل من الأولى، وهذا معنى الحديث الّذي فسر فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي لما

سأله الحارث بن هشام وقال: كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحيانا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015