ولنا في جواز النسخ أنه إما بيان أنها مدة الحكم أو رفع الحكم الشرعي بطريق شرعي، وكلاهما لا يلزم منه محال فوجب القول بجوازه، ولأن الشرع للأديان كالطبيب للأبدان، فجاز أن ينهي اليوم عن ما أمر به أمس، كما يصف الطبيب اليوم للمريض ما نهاه عنه أمس، وذلك بحسب المصالح أو إرادة المكلّف- وهو الشارع- ولأنه قد وقع في التوراة في عدة صور، فالقول بجوازه لازم.
هذا، وقد أكذبهم اللَّه تعالى في نص التوراة، كما أكذبهم القرآن بقوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (?) ] .
فتضمنت هذه الآيات بيان كذبهم في إبطال النسخ، فإنه سبحانه أخبر أن الطعام كله كان حلالا قبل إنزال التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه، ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم إسرائيل وملته، وأن الّذي كان حلالا لهم إنما هو بإحلال اللَّه لهم على لسان إسرائيل والأنبياء بعده إلى حين نزول التوراة، ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم، وهي التي كانت حلالا لبني إسرائيل، وهذا محض النسخ.