وقد يحتج لذلك بقوله تعالى: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [ (?) ] ، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن اللَّه إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان لا قدره.

ومنه قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (?) ] ، وهذا التشبيه إنما هو في أصل الوحي لا في قدره وفضيلة الموحي به، وقوله تعالى: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [ (?) ] ، إنما مرادهم جنس الآية لا نظيرها.

وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ [ (?) ] ، ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة، وإنما لهذه الأمة أكمل ما لغيرها.

وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [ (?) ] ، والتشبيه إنما هو في أصل الصوم لا في عينه وقدره وكيفيّته.

وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ (?) ] ، ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى وهي المبتدأ، وبين الثانية وهي المعاد.

وقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [ (?) ] ، ومعلوم أن الشبيه في أصل الإرسال لا يقتضي تماثل الرسولية.

وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقنكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» ،

فالتشبيه هنا في أصل الرزق لا في قدره، ولا في كيفيته، ونظائر ذلك [كثير] .