وفى رواية الغلابىّ أن هشام بن عبد الملك حج فى خلافة عبد الملك- أو الوليد- وهو حديث (?) السن، فأراد أن يستلم الحجر، فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه، فجلس ينتظر خلوة؛ فأقبل على بن الحسين عليهما السلام، وعليه إزار ورداء، وهو من أحسن الناس وجها، وأطيبهم ريحا، بين عينيه سجّادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ الحجر تنحّى الناس له حتى يستلمه، هيبة له وإجلالا. فغاظ ذلك هشاما، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الّذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه- لئلا يرغّب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق- وكان هناك حاضرا-: لكنى أعرفه، وذكر الأبيات، وهى أكثر مما رويناه؛ وإنما تركناها (?) لأنها معروفة.

قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكّة والمدينة، وبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهما السلام، فبعث إلى الفرزدق باثنى عشر ألف درهم وقال: اعذرنا/ يا أبا فراس، فلو كان عندنا فى هذا الوقت أكثر منها لوصلناك به، فردّها الفرزدق وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الّذي قلت إلا غضبا لله ورسوله، وما كنت لأرزأ (?) عليه شيئا؛ فردها إليه وأقسم عليه فى قبولها وقال له: قد رأى الله مكانك، وعلم نيّتك، وشكر لك، ونحن أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه؛ فقبلها، وجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو فى الحبس؛ فمما هجاه به قوله:

تحبّسنى بين المدينة والّتي … إليها رقاب النّاس يهوى منيبها (?)

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد … وعينا له حولاء باد عيوبها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015