فإن قيل: كيف قولكم فيما مضى وتقضّى من الأفعال ووصفتموه بأنه ماض لتقضّيه وعدمه؛ أيجوز أن يكون مستقبلا على وجه من الوجوه، أولا يكون من الأفعال مستقبلا إلّا ما لم يدخل فى الوجود قطّ؟

قلنا: أمّا ما عدم وتقضّى من الأعراض المقطوع على أنها غير باقية فى نفوسها، كالإرادات (?) والأصوات وما أشبه ذلك؛ فلا شبهة فى أنّ الماضى منه لا يصحّ أن يكون مستقبلا من فعل قديم أو محدث.

فأما (?) ما يبقى من أجناس الأعراض عند من قطع على بقائها، أو شكّ فى حالها بين جواز البقاء عليها ونفيه فنحن لا نقدر على إعادته؛ والقديم تعالى قادر على إعادته إلى الوجود؛ فهذا الضّرب من فعله تعالى لا يمتنع تسميته بأنه مستقبل، لأنه متوقّع منتظر.

فأما الجواهر المعدومة فلا شبهة فى أنّها ماضية من حيث عدمت، ومستقبلة من حيث كان وجودها مستأنفا متوقّعا؛ لأنّ الله تعالى لا بدّ من أن يعيد المكلّفين للثواب أو العقاب، والمكلّف إنما هو مؤلّف من الجواهر.

فإن قيل: هذا يقتضي أن يجتمع فى الشيء الواحد أن يكون ماضيا مستقبلا؛ وهذا كالمتناقض.

قلنا: لا تناقض فى ذلك؛ لأن الجوهر الماضى يستحق الوصف بأنه ماض إذا عدم، وكذلك العرض الماضى من أفعال الله تعالى إذا عدم؛ وإن جاز من حيث صحّ وجود ذلك مستأنفا أن يوصف بأنه مستقبل، لأن معنى المستقبل هو المعدوم الّذي يصح وجوده، فلا تنافى بين الأمرين.

ولو ثبت بينهما عرف فى أنّهما لا يجتمعان- وذلك ليس بثابت- لجاز أن يجعل حدّ المستقبل هو المعدوم الّذي يصحّ وجوده مستقبلا؛ من غير أن يكون الوجود حصل (?) له فى حالة من الأحوال؛ فلا يلزم على ذلك أن يجتمع الوصفان فى فعل واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015