كانوا يصدقونه فى نفسه بقوله تعالى: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ؛ وبقوله تعالى: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ؛ [الأنعام: 66]؛ ولم يقل: وكذّبك قومك. وكان الكسائىّ يقرأ: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف ونافع من بين
سائر السبعة، والباقون على التشديد؛ ويزعم أنّ بين أكذبه وكذّبه فرقا، وأن معنى أكذب الرجل، أنه جاء بكذب، ومعنى كذّبته أنه كذاب فى كل حديثه. وهذا غلط وليس بين «فعّلت» و «أفعلت» فى هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر مما ذكرناه من أنّ التشديد يقتضي التكرار والتأكيد، ومع هذا لا يجوز أن يصدّقوه فى نفسه، ويكذّبوا بما أتى به؛ لأن من المعلوم أنه عليه السلام كان يشهد بصحة ما أتى به وصدقه، وأنه الدين القيم، والحق الّذي لا يجوز العدول عنه؛ فكيف يجوز أن يكون صادقا فى خبره وكان الّذي أتى به فاسدا! بل إن كان صادقا فالذى أتى به حقّ صحيح، وإن كان الّذي أتى به فاسدا؛ فلا بد من أن يكون فى شيء من ذلك كاذبا؛ وهو تأويل من لا يتحقق المعانى.
والوجه الخامس أن يكون المعنى فى قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ أن تكذيبك راجع إلى، وعائد عليّ؛ ولست المختص به؛ لأنه رسول فمن كذبه فهو فى الحقيقة مكذّب لله تعالى ورادّ عليه. وهذا كما يقول أحدنا لرسوله: امض فى كذا فمن كذّبك فقد كذبنى، ومن دفعك فقد دفعنى؛ وذلك من الله على سبيل التسلية لنبيه عليه السلام؛ والتعظيم والتغليظ لتكذيبه.
والوجه السادس أن يريد: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ فى الأمر الّذي يوافق فيه تكذيبهم، وإن كذبوك فى غيره.
ويمكن فى الآية وجه سابع، وهو أن يريد تعالى أن جميعهم لا يكذبونك وإن كذّبك بعضهم؛ فهم الظالمون الذين ذكروا فى آخر الآية بأنهم يجحدون بآيات الله؛ وإنما سلّى نبيه عليه السلام بهذا القول وعزّاه؛ فلا ينكر أن يكون موسى عليه السلام لما استوحش من تكذيبهم له وتلقيهم إياه بالرد؛ وظن أنه لا متّبع له منهم، ولا ناصر لدينه فيهم أخبره