مجلس آخر 74
إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؛ [هود: 34].
فقال: أليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ نصح النبي صلى الله عليه وآله لم ينفع (?) الكفار الذين أراد الله بهم الكفر والغواية، وهذا بخلاف مذهبكم!
الجواب، قلنا: ليس فى ظاهر الآية ما يقتضيه خلاف مذهبنا؛ لأنه تعالى لم يقل إنه فعل الغواية أو أرادها؛ وإنما أخبر أن نصح (?) النبىّ عليه السلام لا ينفع إن كان الله يريد غوايتهم. ووقوع الإرادة لذلك أو جواز وقوعها لا دلالة عليه فى الظاهر؛ على أن الغواية هاهنا الخيبة وحرمان الثواب؛ ويشهد بصحة ما ذكرناه فى هذه اللفظة قول الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره … ومن يغو لا يعدم على الغىّ لائما (?)
فكأنه قال: إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم وكفركم، ويحرمكم ثوابه فليس ينفعكم/ نصحى ما دمتم
مقيمين على ما أنتم عليه؛ إلا أن تقلعوا وتتوبوا.
وقد سمى الله تعالى العقاب غيا، فقال: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]؛ وما قبل هذه الآية يشهد بما ذكرناه؛ وأن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى: قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ... الآية؛ [هود: 32، 33]؛ فأخبر أن نصحه لا ينفع من يريد الله أن ينزل به العذاب، ولا يغنى عنه شيئا.