وأحسن أيضا غاية الإحسان فى قوله:
أغشى الخطوب فإمّا جئن مأربتى … فيما أسيّر أو أحكمن تأديبى (?)
إن تلتمس أخلاف الخطوب (?) وإن … تلبث مع الدّهر تسمع بالأعاجيب
وفى قوله:
متى تستزد فضلا من العمر تغترف … بسجليك من شهد الخطوب وصابها (?)
تشذّبنا (?) الدّنيا بأخفض سعيها … وغول الأفاعى بلّة من لعابها
يسرّ بعمران الدّيار مضلّل … وعمرانها مستأنف من خرابها
ولم أرتض الدّنيا أوان مجيئها … فكيف ارتضائيها أوان ذهابها!
أفول لمكذوب عن الدّهر زاغ عن … تخيّر آراء الحجى وانتخابها
سيرديك أو يثويك أنّك محلس … إلى شقّة يبكيك بعد مآبها (?)
وهل أنت فى مرموسة طال أخذها … من الأرض إلا حفنة من ترابها (?)
وجدت الآمدىّ يروى فى هذا البيت «أنك محبس» بالباء؛ وتفسير ذلك أنّ المعنى أنك موقوف إلى أن تصير إلى هذا؛ من قولك: أحبست فرسا فى سبيل الله، وأحبست دارا؛ أى أى وقفتها. والرواية المشهورة: «أنك مجلس» باللام؛ والمعنى أنك متهيئ للرحيل ومتخذ حلسا.
والحلس: هو الكساء الّذي يوضع تحت الرحل؛ وهذا أشبه بالمعنى الّذي قصده البحترىّ؛ وأولى بأن يختاره؛ مع دقة طبعه وسلامة ألفاظه.