وإنما يكتنى يرتجز على الدّلو السقاة والرعاة؛ وفيه وجه آخر؛ قيل: إنهم يسامحون شريبهم ويؤثرونه بالسّقى قبل أموالهم؛ ولا يصولون عليه ولا يكتنون؛ وهذا من الكرم والتفضّل لا من الضعف.
وقيل أيضا: بل عنى أنهم أعزاء ذوو منعة، إذا وردت إبلهم ماء أفرج الناس لها عنه؛ لأنها قد عرفت فليس يحتاج أربابها إلى الاكتناء والتعرف.
وقد قال قوم فى قوله: «يكتنون»: إنه من قوله كتنت يده تكتن إذا خشنت من العمل؛ فيقول: ليسوا أهل مهنة، فتكتن أيديهم وتخشن من العمل؛ بل لهم عبيد يكفونهم ذلك.
وقوله: «صدء السرابيل» فإنما أراد به طول حملهم للسلاح ولبسهم له. والمقانب:
هى الأوعية التى يكون فيها الزاد؛ فكأنه يقول: إذا سافروا لم يشدّوا الأوعية على ما فيها وأطعموا أهل الرفقة؛ وهذه كناية عن الإطعام وبذل/ الزاد مليحة. وعجر البطون: من صفات المقانب؛ أراد أنها لا توكأ، ولا تطوى على فضل الزاد.
ولبعض شعراء بنى أسد، وأحسن غاية الإحسان:
رأت صرمة (?) لابنى عبيد تمنّعت … من الحقّ لم تؤزل بحقّ إفالها
فقالت: ألا تغذو فصالك هكذا … فقلت: أبت ضيفانها وعيالها
فما حلبت إلّا الثلاثة والثّنى … ولا قيّلت إلّا قريبا مقالها
حدابير من كلّ العيال كأنّها … أناضىّ شقر حلّ عنها جلالها
شكا هذا الشاعر امرأته، وحكى عنها أنها رأت إبلا لجيرانها لم تعط فى حمالة (?)، ولم تعقر فى حق، ولم تحلب لضيف ولا جار؛ فهى سمان. وقوله: «لم تؤزل إفالها» والإفال: