/ وليس الّذي استبعدوه وأنكروه ببعيد ولا منكر، لأن النسيان قد يخص شيئا دون شيء، ويتعلّق بجهة دون جهة، وهذا أمر متعارف، فلا ينكر أن ينسى الإنسان شيئا قصده وعزم على الكلام فيه، ويكون مع ذلك ذاكرا لغيره، متكلّما فيه بأبلغ الكلام وأحسنه، بل ربما كان الحصر والذّهاب عن القصد يحميان القريحة، ويوقدان الفكرة، ويبعثان على أحسن الكلام وأبرعه، ليكون ذلك هربا من العىّ وانتفاء من اللّكنة.
ومن أحسن ما روى من الكلام وأبرعه فى حال الحصر والانقطاع عن المقصود من الكلام ما أخبرنى به أبو عبيد الله المرزبانىّ قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم.
قال المرزبانىّ: وأخبرنا ابن دريد مرة أخرى قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبىّ قالا: صعد خالد بن عبد الله القسرىّ (?) يوما المنبر بالبصرة فأرتج عليه، فقال: «أيها الناس، إن الكلام- وقال أبو حاتم: إن هذا القول- يجيء أحيانا، ويذهب أحيانا، فيتسبب عند مجيئه سببه، ويعزّ عند عز وبه طلبه، وربما كوبر فأتى، وعولج فأبطأ وقال ابن الكلبى: ربما طلب فأبى، وعولج فقسا- فالتّأتى لمجيئه أصوب من التعاطى لأبيّه». ثم نزل. فما رؤى حصر أبلغ منه.
وقال أبو حاتم: «والتّرك لأبيّه أفضل من التعاطى لمجيئه، وتجاوزه عند تعززه أولى من طلبه عند تنزّحه؛ وقد يختلج من الجريء جنانه، ويرتج على البليغ لسانه»، ثم نزل.
وأخبرنا بهذا الخبر أبو عبيد الله المرزبانىّ على وجه آخر قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطىّ قال: كان خالد بن عبد الله القسرى حين ولّاه هشام بن عبد الملك يكثر الخطب والتبالغ، فقدم واسطا، فصعد المنبر فحاول الخطبة فأرتج عليه، فقال: «أيها الناس، إن هذا الكلام يجيء أحيانا ويعزب أحيانا، فيعز عند عزوبه طلبه؛ ويتسبب عند مجيئه سببه، وربما كوثر فأبى، وعوسر فقسا، والتأتّى لمجيئه أسهل من التعاطى لأبيه؛ وتركه عند تعزّزه (?) أحمد من طلبه