«بالضلال» العدول عن طريق الجنة ودار الثواب إلى دار العقاب؛ فكأنه تعالى قال: أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا؛ غير أنهم مع معرفتهم هذه وعلمهم يصيرون فى هذا اليوم إلى العقاب؛ ويعدل بهم عن طريق الثواب.
وقد روى معنى هذا التأويل عن جماعة من المفسرين فروى عن الحسن فى قوله تعالى:
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا قال: يقول تعالى: هم يوم القيامة سمعاء بصراء؛ لكن الظالمون اليوم فى الدنيا ليسوا سمعاء وبصراء؛ ولكنهم فى ضلال عن الدين مبين.
وقال قتادة وابن زيد: ذلك والله يوم القيامة؛ سمعوا حين لم ينفع السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم؟ البصر.
وقال أبو مسلم بن بحر فى تأويل هذه الآية كلاما جيدا، قال: " معنى أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ما أسمعهم! وما أبصرهم! وهذا على طريق المبالغة فى الوصف؛ يقول: فهم يوم يأتوننا أى يوم القيامة سمعاء بصراء؛ أى عالمون وهم اليوم فى دار الدنيا فى ضلال مبين، أى جهل واضح". قال:
" وهذه الآية تدلّ على أنّ قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ، [البقرة: 171] ليس معناه الآفة فى الأذن، والعين والجوارح؛ بل هو أنهم لا يسمعون عن قدرة، ولا يتدبرون ما يسمعون، ولا يعتبرون بما يرون؛ بل هم عن ذلك
غافلون؛ فقد نرى أنّ الله تعالى جعل قوله تعالى: لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مقابلا لقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا، أى ما أسمعهم! وما أبصرهم! فأقام تعالى السمع والبصر مقام الهدى؛ إذ جعله بإزاء الضلال المبين."
وأما أبو على بن عبد الوهاب فإنه اختار فى تأويل هذه الآية غير هذا الوجه، ونحن نحكى كلامه على وجهه، قال: " وعنى بقوله: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أى أسمعهم وبصّرهم وبيّن لهم أنّهم إذا أتوا مع الناس إلى موضع الجزاء سيكونون فى ضلال عن الجنة وعن الثواب الّذي يناله المؤمنون والظالمون الذين ذكرهم الله هم هؤلاء الذين توعّدهم الله بالعذاب فى ذلك اليوم".