عن أفق بلده. والمرأة- وإن احتجبت باختيارها- فإن ذلك ليس بغروب كغروب الشمس؛ لأنها إذا شاءت ظهرت وبرزت للعيون، والشمس إذا غربت فرؤيتها غير ممكنة، ولهذا لا يصحّ أن يقال لمن استظل بدار أو جدار عن الشمس: إنها غربت عنه، وإن كان غير راء لها، لأن رؤيتها ممكنة بزوال ذلك المانع، وكذلك القول فى احتجاب المرأة؛ فلا تناقض فى بيت البحترى على ما ظنه الآمدىّ.
ولبعضهم فى هذا المعنى:
قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا … ما فيك يا بدر لى من وجهها خلف
تبدى لنا كلما شئنا محاسنها … وأنت تنقص أحيانا وتنكسف
فمعنى قوله: «فأنت تنقص وتنكسف» جار مجرى غروب الشمس، لأنه فضّلها على البدر من حيث كان بروزها لمبصرها موقوفا على اختيارها، والبدر ينكسف ويغيب على وجه لا تمكن رؤيته، كما فضلها البحترىّ بأنها لا تغرب حتى تصير رؤيتها مستحيلة، والشمس كذلك.
وقد ظلم الآمدىّ البحترىّ فى قوله:
لا العذل يردعه ولا التّعنيف عن كرم يصدّه
قال الآمدىّ" وهذا عندى من أهجى ما مدح به خليفة وأقبحه، ومن ذا يعنّف الخليفة على الكرم أو يصده! إن هذا بالهجو أولى منه بالمدح".
قال سيدنا رضى الله عنه: وللبحترى فى هذا عذر من وجهين:
أحدهما أن يكون الكلام خرج مخرج التقدير؛ فكأنه قال: لو عنّف وعذل لما صدّه ذلك عن الكرم، وإن كان من حق العذل والتعنيف أن يصدّ أو يحجز عن الشيء،