إن سأل سائل عن معنى ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه».
قلنا: أمّا أبو عبيد القاسم بن سلّام فإنه قال فى تأويل هذا الخبر: سألت محمد بن الحسن عن تفسيره/ فقال: كان هذا فى أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض، ويؤمر المسلمون بالجهاد.
قال أبو عبيد: كأنه يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة، ثم مات قبل أن ينصّره أبواه ويهوّداه ما ورّثاه، وكذلك لو ماتا قبله ما ورّثهما، لأنه مسلم وهما كافران؛ وما كان أيضا يجوز أن يسبى، فلما نزلت الفرائض وجرت السّنن بخلاف ذلك علم أنه يولد على دين أبويه.
قال أبو عبيد: وأما عبد الله بن المبارك فإنه قال: هو بمنزلة الحديث الآخر الّذي يتضمّن أنه عليه السلام سئل عن أطفال المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» يذهب إلى أنهم يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر؛ فمن كان فى علمه تعالى أنه يصير مسلما فإنه يولد على الفطرة، ومن كان فى علمه أنه يموت كافرا ولد على ذلك.
قال أبو عبيد: ومما يشبه هذا الحديث حديثه الآخر أنه قال: «يقول الله عز وجل: إنى خلقت عبيدى جميعا حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وجعلت ما أحللته لهم حراما».
قال أبو عبيدة: يريد بذلك البحائر والسّيّب وغير ذلك مما أحله الله تعالى، فجعلوه حراما.
وأما ابن قتيبة فقال- وقد حكى ما ذكرناه عن أبى عبيد-: لست أرى ما حكاه أبو عبيد عن عبد الله ابن المبارك ومحمد بن الحسن مقنعا لمن أراد أن يعرف معنى الحديث؛ لأنهما لم يزيدا على أن ردّا على ما قال به من أهل القدر.